ينتظر أن تقفز "هيئة الهلال الأحمر السعودي" إلى أعلى المستويات في مجال الخدمات الإسعافية بعد أضخم خطة استراتيجية عشرية في تاريخها الممتد لأكثر من (75) عاماً، من خلال الانتقال من تبني (32) مبادرة تطويرية، إلى (50) مبادرة نحو تغيير جذري، بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبدالله بن عبدالعزيز رئيس الهيئة، إلى جانب خبرات وكفاءات شابة يعملون من أجل اقتلاع كافة العقبات والأخطاء؛ لتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين والمقيمين. وعلى مدى عام وأربعة أشهر من العمل الدؤوب والتنقل عبر الدول الرائدة في الخدمات الإسعافية المقدمة وفي مقدمتها "أمريكا" و"أستراليا" و"كندا" و"بريطانيا" و"الهند"، وضعت خلالها "الهيئة" خطوطاً واضحة لأهم الخطوات التي يجب أن تتبعها للتغيير المأمول سواءً في المجال الإسعافي أو المجال الإداري لتطوير الطاقات البشرية والبنية التحتية. "الرياض" وقفت على التجهيزات الأولية لتنفيذ استراتيجيات "الهيئة"، والاجراءات المتبعة لتنفيذ بنودها، وكيفية تدريب وتجهيز المحطات وغرف العمليات، والمهابط الجوية، من خلال تحقيق استقصائي يُنشر على ثلاث حلقات. ثلاثة مستويات في البداية، أكد "د. رشيد بن صالح العيد" -المدير التنفيذي ومساعد رئيس الهيئة للشؤون الفنية- أن العمل اشتمل على ثلاثة مستويات مختلفة، الأول يهدف إلى إيجاد حلول سريعة للعقبات والإشكالات التي قد يواجهها العمل، والثاني البحث عن حلول متوسطة المدى، بينما كان هدف الحلول الاستراتيجية طويلة الأمد في المرحلة الثالثة، مشيراً إلى أن المرحلة الأولى تطلبت تأهيل الطاقم الإسعافي لديهم، من خلال التنسيق مع "وزارة التعليم العالي"؛ لتخصيص (100) مقعد في "برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي" لابتعاث خريجي الثانوية العامة لدراسة مرحلة البكالوريوس في طب الإسعاف والطوارئ، كما فعّلت "الهيئة" برنامجاً لابتعاث موظفيها على نفقتها، حيث تم ابتعاث ما يقارب (130) مسعفاً إلى "أمريكا" و"استراليا" و"بريطانيا"، إلى جانب إبرام اتفاقيات مع المعاهد الداخلية. وقال إن الإستراتيجية تبنت نظام المدرسة الانجليزية الأمريكية التي تركز على تقصير فترة ما قبل المستشفى، وتكرّس كافة جهودها لإيصال المريض في أسرع وقت ممكن خلال الساعة الذهبية منذ وقوع الحادث وحتى وصوله لقسم الإسعاف، وتهدف هذه المدرسة إلى تحويل الحالة الخطرة ومتوسطة الخطورة إلى حالة مستقرة ونقلها لأقرب منشأة صحية مناسبة بأسرع وقت، مبيناً أن هذا الهدف يتطلب أن يكون الفنيون والأخصائيون مؤهلين تأهيلاً تاما، حيث أن عملية تحويل الحالة من خطرة، إلى مستقرة، تقع على عاتقهم أكثر من عاتق الطبيب نفسه. وأضاف أن الأمير فيصل بن عبدالله حرص على تبني فكرة تطبيق وحدات العناية الفائقة، حيث وجه بتوفير سيارة تقدم عناية فائقة مقابل كل عشر سيارات إسعافية، وبدأت "الهيئة" بتطبيقها فعلياً في مدينة الرياض بواقع سبع فرق على مدار الساعة، ثم انتقلت للمنطقة الشرقية بواقع أربع فرق، وثلاث فرق في "جدة"، واثنتان في "مكةالمكرمة"، لافتاً أن الطاقم المُشغّل لوحدات العناية الفائقة يكونون أكثر اختصاصاً، ويقدمون خدمات أكثر حساسية ودقة لا يستطيع أن ينفذها المسعف العادي، كونها تحتوي على أدوية مخدرة وإجراءات طبية ومهارات أعلى وأكثر تعقيداً. إسعاف خلال عشر دقائق من تلقي البلاغ داخل المدينة وعشرين دقيقة في القرى و«ثلاثين» في الطرق السريعة سرعة استجابة وأشار "د. العيد" إلى أن "الهيئة" تطمح في تحقيق زمن استجابة لا يتجاوز عشر دقائق من تلقي البلاغ لحين وصول أول فرقة إسعافية داخل المدينة، وعشرين دقيقة داخل القرى والأرياف، وثلاثين دقيقة في الخطوط السريعة؛ من أجل أن يكون المصاب خلال الساعة الأولى في المستشفى أياً كان موقعه، موضحاً أن "الرياض"تحتضن (19) مركزاً إسعافياً، بينما يفترض وجود أكثر من (90) مركزاً للوصول إلى الحد الأدنى من التغطية المفترضة. واعترف أن "الهيئة" لديها نقص كبير في الوظائف والمسعفين المؤهلين؛ مرجعاً سبب ذلك إلى ضعف مستوى مخرجات المعاهد الصحية الموجودة في المملكة؛ مما جعل "الهيئة" تعيد تأهيل أكثر من (600) مسعف يفترض أنه مؤهل من معاهد سوق العمل، منوّهاً أن الاعتراف بالقصور لا يخجل، حيث أن لدى "الهيئة" قصوراً تعمل على تغييره، مبيناً أن "الهلال الأحمر لا يغطي إلاّ (30%) من احتياجات المملكة، إذ أن فرق الإسعاف الموجودة تعمل على مدار الساعة؛ مما أنتج ضغطاً تسبب في القصور. وأضاف أن الحلول السريعة شملت الإسعاف الجوي كإنشاء، وتفعيل، وتطوير، حتى أصبحت خدمة الإسعاف الجوي تعمل الآن في الرياضوجدةوالمدينةالمنورةومكةالمكرمة، وستنطلق قريباً في كل من حائل والقصيم وغيرها، موضحاً أن الإسعاف الجوي لا يستخدم إلاّ للحالات الخطرة جداً والبعيدة عن المنشآت الصحية كحالات خارج المدن، كما أن تفعيل هذه الخدمة ساهم في توفير خدمة أفضل وأعطى صبغة احترافية أكبر على العمليات الإسعافية، مبيناً أن العاملين في الإسعاف الجوي تأهيلهم مشابه لتأهيل العاملين في وحدات العناية الفائقة مع زيادة التدريب، إلى جانب أن الاستراتيجية تمكن من تحقيق فاعلية أكبر من خلال التنسيق مع "الهلال الأحمر" و"المرور" و"الدفاع المدني" و"أمن الطرق"؛ لتسهيل المهمات وتقديم الخدمات بشكل أفضل. 4500 مسعف في الميدان يحتاجون إلى «بدل خطر» و«تأمين» و«تدريب» شراكات تدريب وأوضح "د. العيد" أن "الهيئة" حرصت على تأهيل الكفاءات في مجال الإسعاف والطوارئ من خلال عقود شراكة مع القطاع الخاص لتطويره في التدريب الإسعافي، إلى جانب عقود مع عدد من الجامعات أبرزها "جامعة الملك سعود"، و"جامعة أم القرى"؛ لإنشاء معاهد تدريبية متخصصة، كاشفاً أن الموضوع يتم دراسته حالياً من قبل هيئة الخبراء، مبيّناً أن الهيئة تصطدم أحياناً ببطء في إطار التعاون مع القطاعات الحكومية والخاصة، وقد ترشح بعض القطاعات أشخاص غير مؤهلين لعضوية لجان تحكم في مواضيع مهمة للهيئة. د. العيد متحدثاً ل «الرياض» عن أهم مراحل الاستراتيجية وأضاف أنه لو كانت كل القطاعات تعمل بروح المديرية العامة لأمن الطرق أو جامعة الملك سعود؛ لكان الهلال الأحمر أفضل بكثير مما هو عليه الآن، مشدداً على أهمية فهم الرسالة والحساسية التي تعتري مهام الهيئة والبعد عن التنظير بغير علم؛ مما قد يؤدي إلى تعطيل عجلة التنمية؛ لأن النجاح في أي قطاع هو نجاح للوطن، والقصور في أي خدمة مسؤولية الجميع، والاستعراض بالشعارات المنفصلة عن الواقع لا يحقق توجيهات القيادة الحكيمة ولا يخدم الموطن والمقيم، كاشفاً أن الهيئة لديها الآن حوالي (4500) مسعف في الميدان تريد أن ترفع من مستواهم؛ ولتحقيق ذلك صمّمت "برنامج التجسير" لتحويلهم من الدبلوم إلى البكالوريوس، بحيث يصل المسعفون إلى مستوى عال من المهارات والقدرات التي تطمح لها الهيئة. غداً.. الجزء الثاني: تجربة «مشروع الرياض» وخطوة استبدال المراكز الإسعافية إلى محطات خطة استراتيجية وحول الإستراتيجية طويلة المدى، قال: انطلقت الإستراتيجية من (32) مبادرة، والآن أصبحت (50) مبادرة في الخطة الإستراتيجية، وكلها بدأت من بداية السنة المالية الحالية، حيث بدأنا فيها فعلياً قبل أن تُقر الميزانية بما هو موجود من طاقات بشرية وقدرة مالية وبنية تحتية، كان أبرز ملفاتها "تجربة الرياض"، وهي عبارة عن عملية تحويل جذري لعملية التشغيل، على أن يتم تعميمها على كافة مناطق ومدن المملكة بعد نجاحها، حيث تسعى "الهيئة" إلى أن تحول انتشارها كمراكز إلى محطات؛ إذ من غير المجدي أن تفتح "الهيئة" (93) مركزاً في الرياض في ظل هذا النقص الفادح في الأراضي والمباني، إضافة إلى التكلفة الإدارية وعقود الصيانة، والمباني، وخلافها، مشدداً على أن المحطات ستكون أكثر فاعلية وجدوى؛ كما أن التجربة ستسهم بشكل أكبر في الانتشار وسرعة الاستجابة وأضاف أن "الهيئة" بدأت فعلياً في تنفيذ الإستراتيجية، ووظّفت أشخاصاً متخصصين فيها، وصمّمت شكل المحطة، وأنشأت برامج للتدريب، ذاكراً أن بنود الإستراتيجية لم توضع بشكل نهائي إلاّ بعد تكوين لجنة من ست وزارات لدراستها، واجتمعت اللجنة ووضعت مرئياتها، كما غادر فريق مختص من تلك الوزارات للاطلاع على أفضل التجارب التي تم الاستعانة بها فيما بعد، وراجعت أكثر من (14) نظاماً إسعافياً على مستوى العالم، كما استعانت بخبرة رئيس إسعاف لندن سابقاً، إلى جانب إسعاف ولايتي فلوريدا وواشنطن وغيرها من الولاياتالأمريكية، إلى جانب الإفادة من تجربة "كندا" في الإسعاف الجوي والأرضي، وكذلك "الهند"، حيث أن لهم تجربة رائدة في مجال الإسعاف، على الرغم من أنهم في عام 2006م لم يكن لديهم أي نظام إسعافي، والآن نجحوا في تغطية (11) مدينة باحترافية تتمكن من استقبال ربع مليون بلاغ يومياً في مبنى واحد، مما جعل الاستفادة من تجربة الهند كبيرة. ونوّه أن اللجنة في طور إضافة اللمسات الأخيرة للاستراتيجية التي لم تكتف بأفكار ومقترحات من الداخل فحسب، ولم تحرص على دول معينة، بل اشتملت نخبة من المتقدمين في مجال الإسعاف، كما أن الشركة الاستشارية التي استعانت بها "الهيئة" اشتركت في منافسة مع عشر من أشهر الشركات العالمية على مستوى المملكة، مشدداً على أن الهيئة اختارت الأفضل، يقيناً منهم بأهمية الجودة من أجل التطوير الفعلي. د. العيد: لا نخجل من الاعتراف بالقصور ونغطي 30% من الاحتياج.. أفضل خدمة وذكر "د. العيد" أن الإستراتيجية تضمن توفير أفضل الخدمات لمدة عشرة أعوام حتى عام 2022 م، مبيناً أن المبادرات التي تخللتها الإستراتيجية تشمل كل مرافق الهيئة، وأبرزها الشأنين المالي والإداري، والموظفين الإداريين، والصحيين، وموظفي الطيران، والصيانة والميكانيكا، والقيادات العليا، والعمليات، والاتصالات وتقنية المعلومات، وخلاف ذلك من الاقسام، موضحاً أن "الهيئة" بدأت في تدريب من لم تتح لهم الميزانية الابتعاث داخل الهيئة من قبل المدربين المعتمدين من الدول الأفضل في المجال الإسعافي، وكذلك من قبل موظفي الهيئة المعتمدين في مجال التدريب على البرامج الإسعافية، ومن ضمن الدورات التي تعطى هي دورات معتمدة عالمياً في "الحرس الوطني" و"جمعية القلب السعودية". تطبيق نظام المدرسة الإنجليزية - الأمريكية لتقصير مدة ما قبل المستشفى والعمل على استقرار الحالات الحرجة وأضاف أن "الهيئة" ضمن استراتيجية مسار الموارد البشرية، طلبت أن لا يعامل المسعف كأي فني صحي في أي مكان ومجال، كفني التمريض والأشعة والعلاج الطبيعي، فمن المفترض أن يتحصل المُسعف على بدلات عديدة متوافقة مع المخاطر التي يواجهها كبدل العدوى، وبدل الخطر، والتأمين الطبي في نفس السلم الوظيفي بزيادة (20%) بدل ميدان، مشيراً إلى أن المسعف له خصوصية فهو ليس كباقي الفنيين، حيث أن حياته معرضة للخطر، فضلاً عن أنه يتواجد يومياً تحت أشعة الشمس في ظل ظروف جوية متقلبة أصبحت جزءاً من حياته، ناهيك عن خطورة الميدان والسيارات، إذ أن معظم الحوادث لا تحصل في متنزه أو في حديثة، بل غالباً في الطرق السريعة، وسبق أن تعرض مسعفون لحوادث خلال مباشرتهم نقل الحالات، إضافة إلى خطر المريض على المسعف، فبعض المرضى قد يعانون أمراضاً معدية، كما سبق أن أصيب عدد من المسعفين بأمراض معدية كالتهاب الكبد الوبائي وغيره. ولفت إلى أن المسعف يخضع لفحص طبي قبل التحاقه بالهلال الأحمر؛ للتأكد من خلوه من أي مرض، ومن لياقته البدنية، ولكن بعد سنة أو أكثر يصاب بعض المسعفين؛ نتيجة الحالات التي يتعاملون معها، كما أن بعض رذاذ الزجاج يبقى تحت جلد المصاب، وهو سريع الانتقال حتى من تحت القفاز فيدخل جسم المسعف ويكون ناقلا للجراثيم، إضافة إلى ما يعانيه المُسعف من تجمهر المارة وذوي المرضى ومن يتعامل معهم في الميدان بصعوبة، إلى جانب ما قد يتعرضون له من مضايقات أو أذى نفسي، حيث أن غالبية المسعفين لا تتجاوز أعمارهم (26) عاماً إلاّ وقد أصيبوا في "الظهر" إما انزلاق غضروفي أو غيره، موضحاً أن العمر الافتراضي للمسعف الميداني يجب أن ينتهي من ما بين عمر (40) إلى (45) عاماً؛ لينتقل بعدها إلى وظيفة إشرافية في العمليات أو في التدريب أو في أي مكان آخر غير الميدان، بينما لو تم إعفاء كل مُسعف تجاوز الأربعين في ظل النقص الحالي ستغلق كثير من مراكز الإسعاف. وأضاف أنه على الرغم من كل ما يعانيه المسعف من صعوبة مهام وتعريض نفسه للمخاطر، إلاّ أنه لا يجد أمام ذلك بدلات مالية أو مغريات تدعوه للبقاء؛ مما جعلهم يطالبون في الاستراتيجية العشرية بعمل فحص سنوي مجاني لكل المسعفين؛ للتأكد من لياقتهم الجسدية والصحية، إلى جانب توفير بدل عدوى، وبدل خطر، وبدل إسعاف جوي، إضافة إلى تأمين طبي لكل مسعف، ولا يزال الموضوع تحت الإجراء، مشدداً على أن وجود المسعف يعد لحظة عظيمة في يوم سيىء للمصاب، وهو عمل بطولي لا يعدم الحس الإنساني، والتجسيد الحي لعطاء المسلم لاخوانه ومجتمعه فريق عمل خلال اجتماع تحديد أماكن الانطلاق غياب الحوافز المادية قلّل من الإقبال على وظائف المسعفين الأمير فيصل بن عبدالله