تتميز بعض التعليقات التي يتفضل بها بعض القراء بحس وفهم وإضافة تدفع الكاتب للاهتمام بما يطرح وتحري الدقة فيما يثير من أفكار، وفي ذلك إثراء للموضوع المطروح. والشمرية من أكثر القراء متابعة وشفافية وقربا من موضوعات خزامى الصحارى لتمتعها بحس أدبي واستيعاب لما يطرح الكتاب، ولقد دفعني لهذه الإشارة بيت شعر أوردته حول موضوع تقدير الزوجات: ان كنت ما ادري عن غلاية وانا حي وش مكسبي كانك حزنت لوفاتي وأقول: تتميز المرأة بحس شفاف يجعلها تدرك مكانتها من قلب زوجها، مما يجعلها ليست في حاجة إلى تأكيد هذه المكانة شعرا، والناس يلمسون هذا الحب والتقدير للزوجة من خلال المعاملة المجسدة لعمق العلاقة من قبل الطرفين، والرجل المحب لزوجه عادة ما يكون ضنيناً بذكر مزايا زوجه من جمال ووفاء وحسن تدبير غيرة عليها وصونا لها من لغو الكلام، إضافة إلى موروث ثقافي توارثه الأحفاد عن الأجداد يحيط بسياج من التكريم والحفظ. ورد ضيوف لرجل مضياف تعودوا مجلسه فلاحظوا كثرة خروجه من المجلس، بينما كان لا يغادر مجلسه إلا حين يدعوهم لتناول القرى، فسأله أحدهم: ماذا تغير عليه؟ قال: رحل الذي كان يكفيني متابعة انجاز واجب الضيافة. لقد ماتت زوجته التي كانت لا تحتاج إلى توجيه وإشراف، وهذه زوجة جديدة لم تكتسب خبرة عن حياتها الجديدة فكان لابد له من المتابعة. إن معاني الحب والتقدير الذي يجب أن يكون بين الزوجين أكبر من أن تعبر عنه كلمات قد لا تكون صادقة صدق الأحاسيس المتبادلة بين الزوجين اللذين يدركان مكانة كل منهما لدى الآخر، وشكرا للشمرية. وما دمنا في رحاب حائل، تلك الرحاب التي عرفت بالجود والكرم ورحابة الصدور فإن ذلك يذكرنا بمداعبات بين أخوين من هناك أورد مداعبتهما الكاتب القدير بدر الحمد في كتابه «البدو الظرفاء»: لقد حصل الأخ سالم على تعويض مالي بعد إزالة منزله لصالح توسعة شارع بحيهم في حائل، كان المبلغ في تلك الفترة يمثل ثروة لم يعهدها الرجل من قبل، وعندما تسلم الشيك وأدركته الصلاة ذهب إلى المسجد لأدائها، وكان ذهنه معلقا بالشيك الذي وضعه في جيبه وظل يتحسسه عند كل حركة في صلاته، هكذا يصور أخوه فهد هذه الحالة التي قد لم تحدث، ولكنه الشعر وروح المداعبة التي عرف بها أهل حائل لطيبتهم وصفاء قلوبهم: ما جور يا رجل بدا فيه خلَّة حلقه يِبِسْ من خير والشر فاته ثم أخذ يرسم صورة كاريكاتورية للأخ وهو يؤدي الصلاة مسنداً تلك المعلومات إلى مجاوره في الصف: كبَّر يصلِّي وانتبه صاحب له الشيك في جيبه ويكْرُبْ عباته يرجف شَنَقْ صدره تقل فيه علة حمَّى فرح بَغَتْ تصرِّم حياته يدُه على المخبا عسى الله يحله والى سمع مَشْيٍ يبِين التفاته وَشْ لَوْن في المسجد تقل فوق مَلَّة آمنت بالله كيف يِبْسَت لهاته مداعبة بريئة وجلية المعنى وتحدث في كثر من الحالات المماثلة حتى وإن لم يكن المبلغ كبيرا، ولكنه الشعر، وحب المبدعين لتصوير الحالات العابرة، لاسيما وأن حالات التعويض كانت حالات طارئة نالت كثيرا من الفقراء وحولتهم إلى وضع لم يألفوه، ولم يكن سالم من أولئك المحظوظين الذين كانت تعويضاتهم تتجاوز الملايين. الود قَسْمي فيه والله ما اخلِّيه ..ما دام رأسي ما عدته العمامة على أية حال، كان لزاما على سالم أن يجيب عن دعابة فهد وأن يعمد إلى إغاظته: دعواك يا فهيد ان لازم نعلّه والقيل والقيفان خذها وهاته الشيك اخذته فيه «سبعين» كله والفضل لله ما جحدنا غناته نِبي من الخفرات بنت بفلَّة عين العنود اللي بقفر فلاته وانته على فقرك رمادك تملّه مع العجوز اللي بكبرك بناته الدعابة بين «الشيبان» كثيرا ما تدور حول الزواج، وهذا ما ركز عليه سالم، ليدرك المتلقي أن الأمر لا يتجاوز محيط المداعبة بين الأخوين، وهذه المداعبة تعكس الروح التي تتمتع بها منطقة حائل. الأمر الآخر أن المبلغ زهيد لا يمثل الفرحة به، ولكنها القناعة واليقين بأن ذلك من فضل الله، فلا كفر بالنعمة، ولا سوء استغلال لها، فالرجل يحلم بمنزل «فلة» ويتطلع إلى زواج من خفرة تشبه الظبية العنود البرية التي لا ترام ولا تستسلم للحن القول. ولكنه هنا ليس جازماً وإنما هي أماني المجالس يريد أن يداعب أخاه بأنه أصبح قادراً على تحقيق ما لا يقدر عليه من ليس في جيبه شيك بمبلغ سبعين لا أعتقد أنها تتجاوز الآلاف. والملاحظ أيضاً أن تفكير الشاعر منطقي ومعقول يدل على رجاحة عقل، إذ كان تفكيره موضوعياً ومتزناً لتصريف المبلغ في إنشاء منزل وزواج لا في سفر واستمتاع كما يحدث من بعض المحرومين الذين ينفقون المال في السراب. ويصور فهد حال من حصل على نقود فجأة تصويراً فيه من شعر أخيه: لا جَتَنْ حمَّى الفرح والكيس ما عبَّيته كيف اسوِّي بالدراهم يا كراع الشاوي ما نلومك لو رجَفْ صدرك ولو حبَّيْته لعن ابوهن يودعن المندهك صقلاوي يوم كبَّرت بصلاتك للإله ببيته وين رحت.. ووين جيت.. ووين فكرك داوي من تسنَّنْ حول جنبك.. لا مسك كزيته في صلاتك يا عميل الخير تقل تراوي مبالغة في التعبير عن الفرح والخوف من الفقد، بل والحرص على حماية المال الذي يحصل عليه من حرم منه، ويجد الشاعر وجوب السكينة في الصلاة وعدم الانشغال عنها بأمور الدنيا. ومن حوار الشاعرات ما رواه المؤلف أيضاً في كتابه المشار إليه آنفا أن شاعرة تدعى نورة توفي زوجها فرثته: يا ناس بعت الود ما لي هوى فيه مير احفروا للود تسعين قامة شفِّي على اللي يوم احلِّي توازيه تقول ريم ظاهر من عدامة وإني لأعجب من وصفه بالريم، وقد عرفنا أن الريم صفة تطلق على الفتاة، أم أنه اسم مجازي، فالريم للجنسين من الظباء، ويؤكد أن الشعر لنورة وليس لرجل رد أختها التي تستنكر ما ذهبت إليه نورة من مجافاة الود وفاء لمن أحبها فأحبته ورثته بأبلغ الشعر. والأخت كان رأيها متمثلا فيما يلي: إن كان يا نورة هوى الناس عفتيه لومك عليك سواة ناثر إيدامه الود قَسْمي فيه والله ما اخلِّيه ما دام رأسي ما عدته العمامة يا نورة الموضوع ليس على «كيفك»، الود سلطان جائر يأتي إلى المرء من حيث يدري ولا يدري.