يشهد المجتمع السعودي -كغيره من المجتمعات الأخرى- حراكاً فكرياً، ووعياً ثقافياً، وتنمية إنسانية ومادية غير مسبوقة؛ وهو ما نتج عنه انفتاح مسؤول في التعاطي مع المتغيرات والمغريات التي مرّ بها المجتمع، وأفرزت رؤية جديدة قائمة على الاعتدال والوسطية، والخروج من تقليدية الممارسة والحضور الاجتماعي المنعتق من العادات إلى الأمام المتحضّر دون شعور بقيد، أو رغبة في أنفلات، إلى جانب تعزيز مسؤولية المشاركة الوطنية، والتكيّف مع التغيير على أساس حرية الفكر والتعبير. ومع كل تلك التطورات بقي المجتمع أكثر توازناً في رؤاه، والتعاطي مع مشكلاته، والتصالح مع ذاته، بل أكثر من ذلك تحقق الانفتاح المسؤول، والعمل على تغذية الفكر علماً، وتجربة، وخبرة في الحياة، والشواهد أمامنا كثيرة على أن الحراك السعودي مثمر، ويتجه إلى "العالم الأول"؛ ليس فقط في مجالات الاقتصاد والاستثمار، وإنما في تأهيل الإنسان وهو الأهم. تغير مفاجئ في البداية أوضح "د.نجم الدين عبد الغفور الأنديجاني" -أستاذ الأسس الفلسفيه الاجتماعية والتاريخية بجامعة أم القرى- أنّ التغير الاجتماعى إحدى سمات المجتمعات الإنسانية، مبيناً أنّ منه ما يعرف بالمفاجىء أو الطفرة، وهو الذى يحدث دون مقدمات محسوسة أو مؤشرات تلمح لاحتمال حدوثه، كما أنّ هناك التغير التدريجى أو البطيء، وهو الذى يحدث ببطء وتكون هناك مؤشرات تدل على أنه سيحدث أو أنّ أفراد المجتمع يتوقعون حدوثه، مشيراً إلى أنّه أياً كان نوع التغير الاجتماعي، فإنّ هناك أسباباً لحدوثه؛ فالتغير الطفرة أو المفاجئ يحدث بسبب الكوارث والحروب سواء كانت طبيعية أو غير طبيعية، كذلك يعتبر التغير في الأنظمة والقيادات الحاكمة أو المسؤولة في المجتمع من ضمن أسباب حدوث التغير المفاجئ، حيث يؤدي ذلك لحدوث قرارات جديدة تتلاءم مع فكر المسؤول الجديد واتجاهاته والفلسفة التى ينتمى لها، إضافة إلى "الانفجار التكنولوجي" في شكل وسائل الاتصال، من فضائيات ومواقع إلكترونية. تجاوزنا مرحلة التقليد والانعتاق من العادات إلى الأمام المتحضّر دون شعور بقيد أو انفلات.. اختفاء العادات وأشار "د.إنديجاني" إلى أنّ التغير فى القيم والعادات والأعراف الاجتماعية أمر لا يتم بسهولة، وطبيعة التغير الذى يحدث تدريجياً يكون مقبولاً لدى أفراد المجتمع ومتوقعاً، في حين لا يجد المفاجئ القبول نفسه، مبيناً أنّه فى وقتنا الحاضر أصبح التغير المفاجئ سمة من سمات العصر؛ مع تزايد الثورات فى المجتمعات، وتنوع وسائل الاتصال، فهناك كثير من القيم والأعراف والعادات والتقاليد الجميلة بدأت تختفى ويحل محلها قيم وأعراف وتقاليد جديدة، سواءً فى طريقة اللبس أو الكلام أو فى طريقة الالتزام بالقيم الاجتماعية الأصيلة، وتم تغير تفكير الناس فى كيفية التواصل مع الآخرين، لافتاً إلى أنّ آثار التغير امتدت لأسلوب التعايش، حيث إن أثر التغير الاجتماعي يبدو واضحا فى نوعية القيم والأخلاقيات التى بدأ الأفراد يتقمصونها كأسلوب حياة حتى ولو كانت مخالفه للقيم الإسلامية الأصيلة. العجز عن التكيف وقال "د.حسن بن محمد ثاني" -أستاذ علم النفس المشارك-: "من خصائص الحياة المعاصرة سرعة التغيير بسبب العلم والتكنولوجيا، خاصةً في القضايا المادية، وكلما زادت سرعة التغيير في المجتمع زادت معه حدة القلق، ففي مجتمعاتنا العربية تحيط بنا منتجات العلم والحضارة الغربية ولكننا لا نفكر علمياً في حياتنا وقضايانا، وهذا التناقض يولّد لدينا صراعاً نفسياً، فنحن نعشق منتجات الغرب القائمة على العلم، ونكره تفكير الغرب وحياته القائمة على العلم، وهذا النمط من التفكير يزيد من حدة القلق، ويظهر في سلوك الأفراد بالإحباط، والعدوانية، والأنانية، لذلك يعيش بعض الأفراد غرباء عن محيطهم الاجتماعي عاجزين عن التكيف". العمالة الوافدة وذكر "د.سعيد آل ناجي" -أستاذ علم الاجتماع- أنّه طرأ على المجتمع العديد من العوامل العديدة التي أدت إلى تسريع عجلة التغيير، منها ما كان ضرورياً ومنها ما هو يتبع للعجلة الاقتصادية والسياسية وأيضاً الاجتماعية، ومن أبرز التغيرات نرى التغير في نمط حياة الأسر، حيث أصبحت أقل تمسكاً وترابطاً، ودخل محيط الأسرة السائق والخادمة الذين أصبحوا بشكل أو بآخر يؤثرون في سير الحياة اليومية، حيث بدأ البعض الأسر يستخدم هذه العمالة الوافدة بدافع الحاجة للمساعدة في تصريف شؤون الأسرة، وقد يعد الخدم من علامات الوجاهة الاجتماعية اللائقة بين الأسر، وكأي ظاهرة فإن العمالة الوافدة كان لها آثار مهمة اجتماعياً واقتصادياً؛ مما أثر على أذواق الناس، إذ انتشرت بعض الأكلات والوجبات والمطاعم الخاصة بالجنسيات المختلفة، كذلك الملابس وأدوات الزينة الخاصة بالنساء، ومن سلبيات دخول العمالة إكتساب عادات وتقاليد غريبة ودخيلة على المجتمع، كما أنّ من أبرز التغيرات الاجتماعية الانفتاح على الآخر من خلال السفر للخارج، واكتساب بعض العادات والسلوكيات وإدخالها على مجتمعنا ومنها الاحتفال بأعياد الميلاد وأعياد الحب. تغييب القيم وأضاف "آل ناجي": "لا شك أنّ التطور السريع في مجال التعليم كانت له آثار كبيرة في حياة المجتمع، فبرزت ظاهرة الهجرة للمدن، وكان هناك تغير ملحوظ في أوضاع المرأة، فأصبحت المرأة بعد التعليم قوة عصرية وقوة اقتصادية عن طريق نزولها للعمل، كما أنّ التغير شمل الجوانب الغذائية للمجتمع؛ فبعد أن كان يعتمد على التمر واللبن والقمح والسمك وما تجود به البيئة، انتشرت المشروبات الغازية والشاي والقهوة بأنواعها، كما لم تعد الأكلات التقليدية ك(الكبسة) و(الجريش) و(المرقوق) تحتفظ إلاّ بأسمائها؛ لحدوث نوع من التغير عليها من حيث الإضافة بالمذاق، كما بدأ الناس يستعملون الملاعق والشوك، والأكل على الطاولة، وهذا لا يعني أنّ كل أفراد المجتمع السعودي يستعملون ذلك، ولكن ذلك أصبح يشكل ظاهرة، كما انتشرت المطاعم المختلفة من جميع أنحاء العالم، فنجد المطاعم الأمريكية للوجبات السريعة، والايطالية، والصينية، والتركية، والهندية، والكورية، وغيرها من المطاعم والمأكولات؛ مما أثر على نوعية الأطباق الشعبية السعودية"، مشيراً إلى أنّ العولمة أسهمت في تغييب القيم الأسرية والاجتماعية لدى بعض الأبناء، كما أدى الانفتاح إلى إفساد الأنماط السلوكية السائدة، من خلال الدعايات عبر وسائل الإعلام، كذلك تأثير القنوات الفضائية على المجتمع السعودي من خلال انصراف المرأة للأزياء العالمية، ومتابعة المسلسلات والموسيقى، التي أدخلت بعض العادات على المجتمع، معتبراً التغير أمرا حتميا لا يمكن رفضه أو تجاهله، والمطلوب التكيف معه، ليكون إيجابياً يساهم في بناء المجتمع ويرتقي به إلى مصاف المجتمعات المتحضرة، مع حفاظه على القيم الاسلامية الأصيلة وهويته الثقافية. التواجد الأسري أمام الآخرين لم يعد يصطدم بمعوقات العيب أو «لا أحد يشوفنا» تجانس المجتمع ساهم في سرعة التغيير للأفضل مشاركة المرأة في المناسبات الوطنية ساهم في تحسين الصورة وبناء الثقة د.حسن ثاني د.نجم الدين الأنديجاني