بدلت العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي يشهدها العالم اليوم والتطور العلمي وخاصة في عصر السماء المفتوح (الفضائيات – والانترنت) من مستوى الوعي لدى السعوديين وخاصة فيما يتعلق بموضوع العمالة الوافدة والعمل المهني وأصبح المواطن السعودي اليوم يصدر سلوكه اليومي من إدراكه لذاته وللواقع المحيط فيه فكثرة جرائم العمالة الوافدة وتمردها على رجال الأمن في السنوات الأخيرة بتسجيلها نسباً كبيرة من الجريمة ضد الوطن الذي احتضنها ووفر لها لقمة العيش هذا التمرد جعل المواطن يبدل نظرته لهذه العمالة والتي كان سائداً عنها في السابق أنهم أناس مساكين عصف بهم الفقر والجوع لترك بلدانهم للبحث عن لقمة العيش الى أشخاص متمردين يجب التعامل معهم بحذر وتنوع السلوك المضاد تجاه هذه العمالة إما بالانتقام أو بالحذر منهم وزاد وعي المواطن بموضوع عادات وسلوكيات هذه العمالة وأن جزءا كبيرا منهم لهم عادات تتنافى مع عاداتنا وتقاليدنا وحتى بعض معتقداتهم الدينية تختلف عن تعاليم ديننا الإسلامي فأصبح الحذر واجبا منهم خصوصاً عند التعامل مع الخدم داخل منازلنا ومدى تأثيرهم على سلوكيات أطفالنا أما على مستوى أبناء الوطن الباحثين عن عمل فإن الشاب الذي لا يجد فرصة عمل ويجد من ينافسه في لقمة عيشه داخل وطنه أصبح يشعر بنوع من الاغتراب والعزلة الاجتماعية ومن ثم بدأت تضعف علاقته الاجتماعية وبدأت تتضاءل قدرته على التضامن مع المجتمع الذي يعيش فيه وأصبح يعيش حالة من الاغتراب النفسي داخل وطنه فظهرت لدينا نوعية من الأفراد( الناقمين) وخاصة الشباب المؤهلين للعمل ممن يعلنون تمردهم على المجتمع بتخليهم عن الالتزام بالمعايير والقيم الاجتماعية السائدة فيتجهون للتعويض عن ذلك بالانتقام من المجتمع والناس بالسلوك الإجرامي بدءا من الشعور العدائي نحو الآخرين ونحو المجتمع وانتهاء بإدمان المخدرات والمسكرات وارتكاب جرائم الاعتداء على الأموال والأشخاص والأخلاق. حيث تؤكد الدراسات أن غالبية جرائم العاطلين هدفها الحصول على المال مثل ( السرقات بالإكراه وسرقة المساكن والمتاجر والسيارات والاتجار بالمخدرات ) فأكتظت بهم السجون ودفعوا ثمن حياتهم خلف القضبان عندما شعروا بحالة الاغتراب داخل وطنهم بسبب عادات وتقاليد المجتمع الذي يعيشون بداخله . سنحاول في هذه السلسلة لتحقيقات (الرياض الاقتصادي) قراءة ملامح هذا التغير وكيف حدث هذا الوعي وغير نظرة المواطن السعودي تجاه العمل المهني ليصبح مقبولاً بعد أن كان المجتمع السعودي يعتبر من يعملون في مثل هذه المهن من الدرجة الثانية !!!. هل كان ينقصنا الوعي في السابق؟؟ في البدء يتساءل البعض ماذا نعني بالوعي وهل المواطن السعودي كان ينقصه الوعي في السابق؟؟؟ بما يحيط بأفراده من مخاطر وبأهمية العمل المهني وما سيواجه الشاب من مشكلات البطالة ؟ وما تفرزه مشكلة البطالة من مخاطر أمنية على الفرد والمجتمع ؟؟ والمقصود بالوعي وكما تعرفه الموسوعة الفلسفية «مفهوم الوعي» انه حالة عقلية من اليقظة، يُدرك فيها الإنسان نفسه وعلاقاته بما حوله من زمان ومكان وأشخاص، كما يستجيب للمؤثرات البيئية استجابة صحيحة. وبالرجوع إلى أصل الكلمة في اللغة اللاتينية، يتضح أنها تعني أشياء معروفة على نحو متصل، ويرجع بعض الناس الوعي إلى المعرفة. كما ُعرف الوعي، بشكل عام، بأنه اتجاه عقلي انعكاسي، يُمَكِّن الفرد من إدراك ذاته والبيئة المحيطة به بدرجات متفاوتة من الوضوح والتعقيد. ويتضمن الوعي، إذاً، وعي الفرد بوظائفه العقلية والجسمية، ووعيه بالأشياء وبالعالم الخارجي، وإدراكه لذاته بوصفه فرداً وعضواً في الجماعة. ويذهب جورج ميد G. Mead، إلى أن عمليات الاتصال تساعد الفرد على تأمل ذاته، والقيام بدور الآخرين. هذا الاستدماج للآخر Other شرط أساسي لظهور الوعي، طالما أنه يتضمن عملية انعكاسية Reflexive. نظرتنا للعمل المهني وللعمالة قبل عشرات السنين !!!. قبل عشرات السنين وقبل مرحلة الوعي اليوم !! كان المواطن السعودي وخلال ارتباطه بأسرته الصغيرة وداخل مجتمعه يتعلم من آبائه وأجدادة ثقافته المجتمعية من خلال التنشئة الاجتماعية والثقافة المجتمعية،وهما عمليتان متلازمتان فالفرد يكتسب ثقافة مجتمعه من خلال عملية التنشئة الاجتماعية التي تتولى عملية نقل الإنجازات الثقافية للأجيال المتعاقبة ويعرف علماء الاجتماع التنشئة الاجتماعية بأنها علاقة تفاعلية يتعلم الفرد بواسطتها المتطلبات الاجتماعية والثقافية التي تجعل منه عضواً فعالاً في المجتمع وتتضمن هذه العلاقات من الناحية النفسية ، العادات والسمات والأفكار والاتجاهات والقيم وتعني من وجهة نظر السوسيولوجية فان التنشئة الاجتماعية تعني أن الفرد يتماثل مع الأشياء المسموح بها في الثقافة والتوقعات الثقافية التي يعبر عنها في ألفاظ مثل الطرائق الشعبية والتقاليد وطرق الحياة الاجتماعية . والثقافة الاجتماعية للمجتمع وكما يعرفها علماء الاجتماع هي (ذلك الكم المتراكم من المعرفة والمعتقدات والقانون والعرف والعادات والقيم والفنون والأخلاق وكافة أساليب حفظ البقاء التي اكتشفها وأوجدها أو استعارها الإنسان لنفسه بأعتباره عضواً في جماعة تؤمن بالتراث وتحافظ عليه وتضم الثقافة كافة المنجزات الفكرية والمادية ففي الجانب الفكري تزود الثقافة الأفراد بأساليب التعامل فيما بينهم والوسائل التي تمكنهم من حل مشكلاتهم وتلبية حاجاتهم المتعددة كأساليب التنشئة وعادات الزواج والطعام ، أما الجانب المادي للثقافة فيتم التعبير عنه من خلال الأدوات التي يستعملها الإنسان في المسكن وطرق العيش ووسائل النقل وبإلقاء نظرة سريعة على ثقافة مجتمعنا خلال العشرين سنة الماضية عن العمل المهني نجد أن الأسرة كانت تغذي أبناءها بأفكار البطولة والشجاعة والكرم وتمجد العمل العسكري أكثر من الاعمال المهنية الأخرى بالعضو داخل الجماعة إذا كان جندياً يتقاضى ألفي ريال أفضل من عامل في مؤسسة متخصصة في التكييف والتبريد أو الميكانيكا يتقاضى ثلاثة أضعاف مرتب الجندي كذلك نظرة الزوجة والأبناء لرب الأسرة (الجندي) الذي يحرس بلاده بعد عودته للمنزل حيث يكون سلوك الزوجة والأبناء منصباً نحو احترامه والخوف منه وسيطرته على وضع المنزل أفضل لديهم من صورة العامل الملطخ بالزيوت والذى لا تختلف صورته عن صورة العامل المسكين الذي قدم من خارج المملكة ( هندي – بنغالي – يمني ) كذلك كانت نظرة المجتمع السعودي للقادم لخطبة ابنتها حسب مكانته الوظيفية فكانت النظرة الدونية للعامل المهني والتقديس والتمجيد للعسكري وهنا تكرس لدينا هذا المفهوم عن العمل المهني وغابت عنا بعض الحقائق مثل حاجة الوطن لمثل هذه الوظائف والزيادة السكانية وأن مثل وظائف العسكري ( قد تزول في يوم من الأيام) وغاب عنا ارتفاع المستوى التعليمي وزيادة الخريجين ومخاطر العمالة التي وضعناها تحت بند (مسكين ) دون معرفة مخاطرها على أمننا خلال السنوات المقبلة !! وغاب عنا أن الثقافة بشكل عام لجميع الشعوب والمجتمعات من خصائصها أنها تطويرية أي أن الثقافة لا تبقى على حالها بل انها تتطور نحو الأحسن والأفضل ولكن التطور لا يتم غالباً في جوهر الثقافة بل في الممارسة والطريقة العملية ويكون ذلك لحاجات الإنسان الذي يعيش في المجتمعات الحديثة كما ظهر لنا اليوم بحاجتنا للمواطن السعودي في مجال العمل المهني وتغير مفهومنا الذي توارثناه من الآباء والأجداد طوال السنوات الماضية حيث أن تغير مفهومنا عن العمل المهني وأنه أصبح حاجة ملحة لتخطي كثير من مشاكلنا اليوم هذا التكامل أشبع حاجات المواطن السعودي اليوم وأراح النفس البشرية لانها تجمع بين العناصر المادية والمعنوية وأمدت الثقافة الجديدة شريحة كبيرة من معتنقي ثقافة العمل المهني بكثير من الأنماط السلوكية لتحقيق حاجاتهم البيولوجيه وضمان استقرارهم وتحقيق التكيف والتجانس : من هنا برزت لنا مشكلة ومخاطر البطالة السافرة !!! ومن خلال موروثنا الثقافي وعاداتنا القبيلة أوجدنا البطالة في مجتمعنا فصنعنا ما يطلق عليه مفوم (البطالة السافرة) حيث زادت لدينا نسبة العاطلين عن العمل ( من الجنسين) وأسهمت في نمو وتصاعد معدلات الجريمة ويتساءل البعض ماذا نعني بفهوم البطالة السافرة والبطالة السافرة كما يعرفها علم الاجتماع بأنها البطالة الظاهرة أو البطالة المسجلة ويقصد بها حالة التعطل الكلي الظاهر التي يعاني منها جزء من قوة العمل المتاحة . أي وجود عدد من الأفراد القادرين على العمل والراغبين فيه والباحثين عنه عند مستوى الأجر السائد دون جدوى ولذلك فهم في حالة تعطل كامل لا يمارسون أي عمل .!!! كما تعرف أيضاً البطالة السافرة بأنها ( وجود شخص خارج دائرة العمل أي أنه لا يؤدي أي عمل رغم قدرته عليه ورغبته في القيام به وبحثه عنه) وهذا نجده واضحاً اليوم في حال ( الشباب السعودي اليوم من الجنسين ) المؤهلين للعمل ولا يجدونه !!! . والبطالة التي صنعها موروثنا الثقافي اليوم اختلف المفكرون الاجتماعيون والأقتصاديون في وضع تعريف لها : حيث ترى دائرة المعارف الأمريكية أن البطالة يقصد بها عدم الاستخدام الكلي للأشخاص القادرين على العمل والراغبين فيه والباحثين عنه ولكنهم لا يجدونه ومن هنا نجد أن البطالة تشمل مجموعات مختلفة من الأفراد وهم : الذين لا يعملون. الذين يعملون في مواسم معينة فقط ( ولا يعملون في مواسم أخرى). الذين يعلمون بشكل مؤقت ( دون الارتباط بموسم معين ) العاملون فعلاً ولكن دون إنتاجية منخفظة ( البطالة المقنعة) * كما تعرف منظمة العمل الدولية البطالة حيث عرفت العاطل على أنه كل قادر على العمل ولكن دون جدوى ( أي لا يجده) وهذا هو واقع كثير من شبابنا اليوم . تجدد وعي المواطن بحقيقة الوافدة يصنع مجتمع الخطورة !! وهنا نلحظ في موضوع وعي المواطن السعودي( الوعي الاجتماعي) بزيادة العمالة الوافدة على أرض الوطن ( ووجود البطالة السافرة على أرض الوطن ) ومنافسة العمالة الوفدة لأبناء الوطن في كثير من وظائفهم وسيطرتهم على كثير من خيرات الوطن حيث بدأت حالة عقلية من اليقظة لدى شريحة كبيرة من أفراد المجتمع السعودي بظهور شريحة كبيرة من أبنائهم في سن العمل دون وظائف ويدركون مشكلة البطالة والفقر والعوز لدى شريحة كبيرة بينهم وبدأت الأسرة الكادحة التي تبحث عن لقمة العيش وقد لا تجدها في وسط هذه المنافسة الكبيرة من العمالة تظهر جليا للجميع وعي خطورتها على المجتمع بشكل عام !! . أما على مستوى الوعي الفردي لدى الأفراد فبدأ الفرد المؤهل للعمل في حالة كبيرة من اليقظة العقلية ويدرك نفسه ويخطط لمستقبله ويستجيب للمؤثرات الخارجية استجابة صحيحة ويدرك أنه فرد داخل مجتمع له حقوق وواجبات تتطلب منه الاتصال مع مجتمعه واثبات وجوده والحصول على حقوقه !!. وهنا بدأت تبرز لنا أبعاد الوعي الاجتماعي على مستوى الفرد والجماعة وبدأت تختلف درجة الاستجابة تجاه نظرة المواطن لقضيته إما سلباً أو إيجاباً فالمواطن الذي يحتاج للخدمة من العمالة ويجد أن الخدمة التي تقدمها له هذه العمالة الموجودة في سوق العمل خدمة رديئة لا تلبي احتياجه وأن العمالة الموجودة في السوق تختلف في تقديم خدمتها من العمالة البنغالية الى العمالة اللبنانية أو السورية أو المصرية أو اليمنية وأصبح يدرك طالب الخدمة أن كل جنسية من هذه الجنسيات يجدها تتميز في تقديم خدمة معينه قد لا تستطيع جنسية أخرى تقديم نفس النوع من الخدمة وهنا بدأ المواطن السعودي يفرز هذه العمالة حسب جودة الخدمة التي تقدمها هذه العمالة وليس كما هو سائد قبل عشرات السنين حيث كان ينظر المواطن السعودي الى جميع هذه الجنسيات الوافدة على أنها جاءت لطلب الرزق وأنهم مساكين عصف بها الفقر والجميع يطلق عليه لقب مسكين ولا يهمه غير ذلك في السابق ولكن عندما بدأ المواطن السعودي يلحظ بعض السلوكيات الشاذة من هذه العمالة الوافدة ومنها ارتكاب سلوكيات الغش والتدليس عندها بدأ يأخذ الحيطة والحذر من هذه العمالة وخاصة عندما بدأت العمالة تفرض نفوذها على رجال الأمن كما نقلت بعض وسائل الإعلام في السنوات الأخيرة وهنا بدأت نظرة المواطن تختلف تدريجياً نحو العمالة الوافدة وهو ما يسمى البعد النفسي والاجتماعي أما بالنسبة للمواطن الشاب الباحث عن عمل فعندما وجد هذه المنافسة من العمالة ومضايقته في كسب لقمة العيش بدأت النظرة تختلف لهم فبدأت شريحة كبيرة من الشباب السعودي تتجه للعمل المهني الشريف وقامت فئة أخرى من العمالة بالانتقام والتمرد على هيبة رجال الأمن.