اليوم الأحد وهو خريفي في باريس، والشارع الذي أسكن فيه مقفل منذ الصباح الباكر لا يسمح فيه بمرور السيارات، فقد خصص هو وشوارع أخرى هذا اليوم كمضمار لسباق الجري للهواة من المواطنين، وفي الساعة التاسعة، وأنا أطل من نافذتي، بدأت قوافل المتسابقين تتوالى، رجالا ونساء، وشبابا وشيبانا، وبعض الصغار من الأطفال، وكذلك المعاقون يجر عربتهم متسابقون، والنشاط والحيوية تشع وتنتشر في كل مكان من هذه الجموع المتسابقة، الكل هنا يؤمن بأن الرياضة جزء أساسي من حياة الإنسان ونشاطه، وأن الإنسان خلق للحركة، وأن صحة الأبدان مرهونة بمزاولة الرياضة، وباختصار ثقافة الرياضة تتشبع النفوس والأرواح، وكم كنت أتمنى أن أكون معهم فأفوز فوزاً عظيماً، ولكني وليد مجتمع لا يعرف شيئاً عن ثقافة الرياضة، بل ويعتبرها من المحرمات، وخاصة للنساء، ولكن هذا الفكر أصبح فيما يبدو ينتمي إلى الماضي، فقد قرأت أنه سيكون هناك بند لممارسة الرياضة في مدارس البنات، ولا بد أن بنداً مثله قد خصص لممارسة الرياضة في مدارس البنين، وتبقى مشكلة المكان فمدارسنا وخاصة المستأجرة ليست مزودة بصالات للرياضة ومزاولة الألعاب حتى التي لا تحتاج إلى صالات واسعة، كتنس الطاولة، ولكن الفرنسيين هنا والذين أراهم من نافذتي، لم يقف المكان عقبة أمامهم، فاتخذوا من الشوارع صالات وساحات للرياضة، وخصصت أيام في السنة تخلى فيها الشوارع لهم، ولا يُسمح للسيارات بدخولها، وبلادنا لا تشتكي من ضيق المكان فلدينا أراض وصحارٍ شاسعة، رغم أن الكثير منها مشبك، ولكن حتى هذه المشبكة يجب أن ترغم الحكومة ملاكها على أن تستخدم مضامير للرياضة بدلا من أن تتراكم فيها النفايات وتلوث البيئة كما يحدث الآن، باختصار يجب أن تتحول كل الأراضي البيضاء إلى ملاعب، ويجب أن تشيع ثقافة الرياض وتعم البلاد، وإلا فإننا لا نستحق الحياة.