قبل سنتين ناقش الشيخ د. سلمان العودة قضية السينما في برنامجه "حجر الزاوية" وكان حديثه موجهاً بالدرجة الأولى نحو شكل الأفلام الإسلامية التي يتمناها والتي يرى أنها ستخدم صورتنا وموقفنا أمام العالم، كان يطمح لأفلام مثل "القلب الشجاع"، و"لون الجنة" الإيراني، تلك الأفلامُ الراقية التي تقدم معاني إنسانية محترمة، ومع أنه لم يشترط أن تكون الأفلام دينية خالصة مثل غيره من الدعاة، إلا أنه أغفل الحديث عن أهم نقطة في الموضوع، وهي كيف نصل إلى المستوى الذي يجعلنا قادرين على إنتاج مثل هذه الأفلام الممتازة؟. للأسف كان حديثه عن "الغاية" وتجاهل تماماً الإجراءات التي لابد من توفرها للوصول إلى هذه الغاية. الآن تتكرر ذات النبرة "المثالية" التي تريد أفلاماً عظيمة بضربة واحدة وبقفزة واحدة تتجاوز كل الخطوات الأولى الضرورية للإنتاج السينمائي. كثيرون يطالبون بضرورة إنتاج أفلام عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن الإسلام وعن قيمنا وأخلاقنا وحضارتنا دون أن يسألوا أنفسهم كيف سنقوم بذلك إذا كنا لا نملك بنية إنتاجية سينمائية مؤهلة؟. والمفارقة المبكية هنا أن هؤلاء ذاتهم هم الذين يرفضون تواجد أي نشاط سينمائي داخل بلادهم، بل يُحرّمونها تماماً!. الفيلم الإسلامي الممتاز الذي نتمناه لن يهبط علينا من السماء، جاهزاً وكاملاً بقصته وممثليه ومؤثراته، لا يكفي أن نقول له كن فيكون، ولن تكفي الرغبة وحدها لتحقيق هذا الحلم. كل دول العالم تملك هذه الرغبة وتطمح لتقديم أفلام تحظى بالاهتمام العالمي، لكنها تخفق في ذلك، لتبقى السينما الحقيقية، الممتازة والمؤثرة، محصورة في أماكن محددة في العالم، مثل هوليود وعدد قليل من العواصم الأوروبية والشرق آسيوية. أما لماذا فلأن السينما تحتاج قبل "الرغبة" إلى مناخ سينمائي حقيقي يحتوي على كل مقومات الصناعة السينمائية الصحيحة؛ من رأس مال وتسويق وصالات سينما وجمهور، إلى جانب توفر هامش الحرية الذي يحتاجه الفن لينشط وينمو. هوليود التي صنعت فيلم "القلب الشجاع" هي نفسها التي صنعت آلاف الأفلام السيئة، إنها آلة إنتاج مستمر تقدم الجيد والسيئ على السواء، في مناخ حر ومفتوح لا توجد فيه أية حواجز بين المستثمر وبين الجمهور، هذا هو القالب الصحيح للبيئة الإنتاجية التي يمكنها إنتاج أفلام رائعة، والتي لابد أن نوفر مثلها إذا أردنا أن نصنع فيلماً مُشرفاً عن الرسول الكريم. ونحن في السعودية نمتلك المقومات الضرورية لخلق مثل هذه البيئة السينمائية، أكثر من أي بلد عربي آخر، لدينا رأس مال ضخم، وكوادر فنية، وجمهور كبير "مرتاح" مادياً ومتفاعل بشكل إيجابي مع وسائل الترفيه، ولا ينقصنا سوى منح مفهوم السينما الشرعية من قبل الجهات الرسمية ويتمثل ذلك أولاً في السماح بعودة صالات السينما من جديد للأراضي السعودية لأنها الركن الأساس في السوق السينمائي، وثانياً الاعتراف بالسينمائيين السعوديين ومنحهم جمعية خاصة بهم أسوة بجمعية المنتجين والمسرحيين وغيرها. إذا فعلنا ذلك فهذا يعني أن عجلة صناعة السينما السعودية ستبدأ بالدوران وسيبدأ الإنتاج ثم ستأتي الممارسة والخبرة التي ستؤدي في نهاية المطاف إلى إنتاج الفيلم الذي نطمح له. أما إذا كان الهدف إنتاج فيلم واحد فقط بالاستعانة بمخرج غربي وبممثلين أجانب، مثلما فعل مصطفى العقاد، فهذا سهل ولا يحتاج سوى إلى زيارة واحدة إلى هوليود، لكن النتيجة ستكون مؤسفة لأن الجمهور العالمي الذي نستهدفه بهذا الفيلم سيلتفت إلينا ويسأل: "كيف تريدون إقناعي بسماحة الإسلام وأنتم تخاطبونني الآن بلغةٍ لا تحترمونها في بلادكم؟".