في هذه الأيام تحل الذكرى الثانية والثمانين لليوم الوطني المجيد للمملكة العربية السعودية حيث تحققت الوحدة الوطنية الكبرى بلم شتات الوطن في أمة واحدة شعارها الخالد «لا إله إلا الله محمد رسول الله» رغم كيد الكائدين وتآمر الحاسدين وحقد الحاقدين الذين جميعهم ما فتئوا المرة تلو المرة يحاولون النيل من وحدة هذا الوطن، وتدمير مكتسباته ودق اسفين الفرقة بين القيادة والشعب. إلا أن الله ثم تكاتف الوطن حكومة وشعباً أحبط مخططاتهم التي تكسرت على صخرة الوحدة الوطنية. نعم لقد نهض هذا الوطن من تحت انقاض الفرقة والفقر والجهل والمرض وعانق آفاق التقدم والعلم والعزة مفاخراً بأنه صاحب أول تجربة وحدوية ناجحة على المستوى العربي والإسلامي في العصر الحديث، وانه المطبق للشريعة الإسلامية الوسطية، وأنه مركز الحراك الإسلامي والعربي وأنه نصير الاعتدال والسلام والعدل، وأنه الأقدر على فرز الغث من السمين، وانه الآخذ بتلابيب المواءمة بين التحديث والتمسك بالموروث النافع، وانه الأكثر فهماً لمتطلبات العصر طبقاً لواقعه وبالتالي يحث الخطى لضمان الاستجابة لها وذلك كله نتاج وعي الشعب وإخلاص الدولة بقيادتها الحكيمة. أيضاً فإن ما تحقق على أرض الواقع من انجاز يفوق الخيال وذلك على جميع المستويات ولا يدركه إلا من عايشه منذ بداياته فمن يبلغ من العمر خمسين عاماً وأكثر يشعر ويدرك مقدار ما تم إنجازه. ومع ذلك يظل طموح حكومة وشعب المملكة متحفزاً لتحقيق انجاز أكبر وأعظم، وذلك ادراكاً منهما أن الوقت لا يقطع إلا بالانجاز وإلا فإن الوقت يقطع الأعمار بالموت، والأوطان بالشتات والتخلف. إن التاريخ هو رواية لما تم انجازه في الماضي والذي يستقرئه جيداً يستفيد من تجارب الأمم السابقة.. والتاريخ المعاصر يروي قصص فشل ونجاح الأمم المعاصرة. والاحتفال باليوم الوطني هو إحياء لتاريخ نجاح هذه الأمة الذي حققته بقيادة الملك المؤسس - طيب الله ثراه - وحافظ عليه وطوره ابناؤه من بعده الملوك البررة سعود - وفيصل - وخالد - وفهد - رحمهم الله - واليوم يرفع العلم ويقود الأمة ملك الإصلاح والحوار عبدالله بن عبدالعزيز ويعاضده ولي عهده الأمين رجل التاريخ والادارة الأمير سلمان بن عبدالعزيز - حفظهما الله - وسدد على طريق المجد جهودهما وأعزهما بالتفاف الشعب حولهما. إن الاحتفال باليوم الوطني يذكرنا بأن تفعيل عجلة العمل والانجاز في الحاضر واجب، وأن الاستعداد للمستقبل مطلب ناهيك عن أن تكرار الاحتفال به كل عام إحياء لذكرى تجربة ناجحة يجب أن نُتبعها بنجاحات أخرى تضمن استمرار ما تحقق وتضيف عليه. فإذا صهرت تجربة الماضي بحراك الحاضر وباستراتيجيات المستقبل انبثق الوطن وهو أكثر قوة فيما يسكنه شعب أكثر وعياً وتقوده حكومة أكثر إخلاصا ديدنها الحكمة والعدل والإصلاح. إن أهمية اليوم الوطني تنبع من عدة منطلقات يأتي في مقدمتها ما يلي: * إن اليوم الوطني يمثل سجلا حافلا بالتجارب والحكمة والانجازات وقليلا من الاخفاقات لذلك فإن العودة إليه وتقليب صفحاته يساعد على تفعيل الانجاز وتقليل السلبيات التي لا تخلو أية تجربة من وجود نسبة محدودة منها. * إن اليوم الوطني يمثل مسرحا كبيرا يعرض من خلاله أمام الأجيال الصاعدة واقع حال الوطن قبل واحد وثمانين عاماً وخلالها وصولاً إلى العصر الحاضر، وانطلاقاً إلى ا لمستقبل الأفضل خصوصاً إذا علمنا أن أكثر من (60٪) من سكان المملكة هم من جيل الشباب الذين تقل أعمارهم عن (40) سنة. فعند توحيد المملكة كان عدد السكان لا يتجاوز (2.5) مليون نسمة واليوم يبلغ عدد سكان المملكة ما يربو على (26) مليون نسمة. وعند إعلان توحيد المملكة كانت مدن المملكة الرئيسية بمثابة قرى صغيرة بما في ذلك الرياض العاصمة واليوم مدن المملكة تنافس أحدث المدن العالمية من حيث المظهر ومن حيث الطرق والمباني وغيرها. * قبل عام 1351ه كان التعليم في المملكة شبه معدوم والمستشفيات معدومة والفقر هو السائد أي كانت البلاد تعيش في ظلام دامس قوامه الجهل والفقر والمرض. واليوم الوطن يسعد بانتشار التعليم العام والعالي في جميع أرجائه حيث تشير التقديرات إلى ان عدد الذين هم على مقاعد الدراسة في جميع مراحل التعليم قد تجاوز (6) ملايين طالب وطالبة. ويسعد باحتضانه مدناً طبية ومستشفيات متخصصة وعامة ناهيك عن انتشار عيادات الرعاية الأولية وتعدد كليات الطب وانتشارها في جميع مناطق المملكة وتميز الطبيب السعودي حتى أصبحت المملكة قبلة علاجية يقدم إليها حتى زعماء ورؤساء الدول طلباً للعلاج. أما الفقر فقد استبدله الله بالغنى حيث أصبحت المملكة من أغنى دول العالم وذلك بفضل ما تملكه من ثروة بترولية تعمل حكومتنا الرشيدة على ترشيدها ضماناً لمستقبل الأجيال القادمة وذلك من خلال العمل على تعدد مصادر الدخل من ناحية، والاتجاه إلى اقتصاد المعرفة من ناحية ثانية، ووضع خطط استراتيجية مستقبلية من ناحية ثالثة. * اليوم الوطني الحالي يذكرنا بأننا سوف نحتفل بالذكرى المئوية لليوم الوطني بعد (19) عاماً من الآن. وإذا علمنا أن مئوية التأسيس (1419ه) قد رصدت كل الانجازات والتطورات والأحداث والنقلات والتغيرات النوعية التي مر بها الوطن خلال مئة عام ابتداء من سنة (1319ه) وهي السنة التي استعاد فيها الملك عبدالعزيز - رحمه الله - الرياض حتى عام (1419ه) فإن هذا يدعونا لأن نستعد للاحتفال بمئوية التوحيد التي سوف تحل عام (1451ه) وبما أن (78) سنة من تلك المئوية قد رصدت إنجازاتها كما أسلفت في مئوية التأسيس فإن علينا ان نحقق إنجازات نوعية جديدة وغير مسبوقة في مجد هذا الوطن لتشكل علامة بارزة في الاحتفال بالذكرى المئوية للتوحيد. نعم إن خادم الحرمين الشريفين يقود تحولات كثيرة وكبيرة في جميع المجالات وهي تمثل حراكا غير مسبوق عماده الحوار والانفتاح والعدل ومحاربة الفساد والاسكان ومحاربة البطالة والاصلاح والتطوير. * إن من أهم مقومات اللحاق بالركب العالمي المنطلق بسرعة الرياح تحديث التعليم وذلك لأن التعليم المتميز هو المفتاح الأساسي لأي تقدم ننشده خصوصاً الدخول في مجال الاقتصاد المعتمد على المعرفة. كما أن الاعتماد على الكفاءات المتميزة ووضع الاستراتيجيات والخطط المستقبلية وتحديد هدف ننشده خلال فترة زمنية محددة تعتبر خير وسيلة لبلوغ الأهداف المرجوة. إن نظام الثروة القائم على المعرفة والمعروف بالاقتصاد الجديد والاقتصاد المعرفي غيّر كثيراً من معالم الثقافة والسياسة، وولد فكراً جديداً له أبلغ الأثر على كل من الفرد والجماعة وكذلك على الإعلام والقيم والحراك الثقافي والسياسي والاجتماعي وقد تأتى كل ذلك من خلال الإعلام الفضائي والانترنت وثورة وسائل التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك والتويتر وغيرهما من الوسائل التي تصل إلى المستهدف بطرفة عين من خلال الوسائل المختلفة سواء أكان في البر أم البحر أم الجو. * إننا ننعم بكثير من منتجات التقنية دون أن نكون منتجين لها والأدهى والأمرّ اننا لا نستطيع حتى صيانتها أو اطالة عمرها أو تطويرها، أي اننا نأخذ قشور التقنية دون ان نكون من الفاعلين، ولذلك لابد من وضع هدف استراتيجي يتمثل في توطين التقنية بحيث نصبح شركاء للعالم وليس سوقاً لتصريف منتجاته. * إن التحولات الجوهرية في مسيرة الأمم تحتاج إلى تضافر جهود مؤسسات لديها صلاحيات ورؤى وخطط وكفاءات وقدرة مادية وأدوات معرفية تمكنها من تحقيق الأهداف الاستراتيجية المناطة بها. ويساعدها في ذلك مراكز للتفكير والدراسات الاستراتيجية المتقدمة التي تعمل كعين بصيرة تسابق الزمن وتحلل أحداثه وتبني خططها على الاستقراء العلمي للأحداث مع نظرة تاريخية ونظرة مستقبلية ناهيك عن دمج الحذر بالتفاؤل. إن العالم المتقدم قد اسند حراكه إلى جهابذة الفكر الاستراتيجي في مجال العلوم والأمن والدفاع وعلم النفس وعلم الاجتماع والسكان وغيرها من العلوم لكي يدعموا حراكه السياسي والاقتصادي ولذلك فإن حراك العالم اليوم يتسم بالسرعة والغموض والمستجدات حتى تكاثرت الضباع على خراش فما يدري خراش أيها يصيد، ما يحتم وجود دعم لوجستي وعلمي وقرار سياسي واقتصادي تصهر كلها في بوتقة الإرادة الفذة، والرؤية الواضحةالتي تمكن من المراوغة لتجنب الضغوط من أجل تحقيق المطلوب دون صدام أو عناد أو تعصب.. نعم إن اليوم الوطني سجل بل مسرح بل منارة عالية من خلالها نستطيع أن نلتفت ونشاهد ما تم إنجازه ونفخر به ونتخذه حافزاً يوجب المحافظة عليه، ومن خلاله نستقرئ الحاضر ونعمل على تعزيز إيجابياته وتحجيم سلبياته ونتطلع إلى المستقبل ونخطط لبلوغه بخطط رصينة وأهداف واضحة وعزيمة لا تلين، وإرادة فذة بقيادة خادم الحرمين الشريفين ومؤازرة ولي عهده الأمين. ويظل الوطن يشغل بال كل مخلص حتى وإن انشغل في شؤونه الخاصة وطني لو شُغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي والله المستعان..