عندما ترتفع أسعار النفط يتململ العالم لأن النفط هو «المادة الخام» التي تدخل في صناعة كل شيء تقريباً! لكن هذا - وحده - لا يفسر الصخب الدائر في الأوساط الاقتصادية العالمية حول ارتفاع أسعار النفط.. وهو بالتأكيد لا يفسر - وحده، مرة أخرى - الهلع الذي عبَّر عنه التقرير الصادر من الأممالمتحدة عندما ذكر أن «أسعار النفط المستمرة بالارتفاع قد تؤثر على النمو العالمي وتؤدي إلى سقوط مريع في المستقبل». إن السؤال الذي لا يمكننا - نحن أبناء الدول المنتجة والمصدرة للنفط - تجاهله هو: لماذا لا ينتشر الهلع من إمكانية انحسار النمو العالمي إلا عندما ترتفع أسعار النفط!؟ نعم النفط مادة مهمة، ولكن ماذا عن المنتجات المصنعة التي تصدرها الدول الصناعية!؟ أليست هذه المنتجات مهمة!؟ أليست أسعارها تتزايد باستمرار!؟ إن الأسعار الحقيقية للنفط، بعد أن نزيل عنها آثار التضخم في المعدل العام للأسعار، ليست مرتفعة كما توحي الأرقم المتداولة في وسائل الإعلام.. ومن المؤكد أن ما يشتريه الدولار الواحد من سلع وخدمات في وقتنا الراهن أقل بكثير مما كان يشتريه في السبيعينيات.. وإذن، فأسعار النفط - في واقع الأمر - ليست مرتفعة على النحو الذي تصوره التقارير التي تصدر في الغرب! والنفط، من ناحية أخرى، هو سلعة ناضبة وليس كالسلع الزراعية أو الصناعية.. وكل برميل يتم استخراجه من باطن الأرض لا يُعوَّض فهو يخصم من الاحتياطيات التي ستحاسبنا عليها الأجيال القادمة. ولهذا فإن تصوير ارتفاع النفط بأنه يعكس طمع المنتجين واستغلالهم لحاجة الاقتصاد العالمي لهذه المادة هو مبالغة مقصودة من الغرب بهدف إحراج الدول النفطية وتأليب الرأي العالمي ضدها ومن ثمَّ دفعها إلى رفع الإنتاج أملاً في هبوط أسعار النفط، علماً بأن الأزمة الحالية ليست أزمة إنتاج بقدر ما هي أزمة تتعلق بقدرة معامل التكرير في الغرب على تلبية طلب العالم من المنتجات المكررة بسبب محدودية طاقتها الإنتاجية. أخيراً.. إذا كان النفط بهذه الأهمية التي يتحدثون عنها فلماذا كل هذا الاستغراب من ارتفاع أسعاره في ظل محدودية القدرة على إنتاج المزيد منه!؟ هذه تداعيات عامة على هامش تقرير الأممالمتحدة.. وإلا فما يمكن أن يُقال حول الموضوع كثير جداً.. وأول ذلك أن الأسعار المرتفعة التي يدفعها المستهلك في الغرب للمنتجات النفطية المكررة سببه هو ارتفاع الضرائب التي تدخل في خزينة الدول الغربية وهي تفوق ما تحصل عليها الدول المنتجة للنفط ثمناً لنفطها الخام.. لكن الغرب يتجاهل كل ذلك ويتهم الدول النفطية بأنها تدفع الاقتصاد العالمي إلى سقوط مريع!