أفرز ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات شارفت على 60 دولاراً للبرميل قراءات متضاربة للأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذا التنامي غير المألوف لدى الدول المستهلكة والتي اعتادت أن تحصل على النفط بأسعار لاتساوي سوى أجزاء صغيرة من قيمته الواقعية مقارنة بالسلع العالمية، وتتوقف رؤية المحللين الاقتصاديين لمسار أسعار النفط، عند الزاوية التي ينطلقون منها، حيث ترى المجتمعات التي تعتبر القوة الاقتصادية هي الأساس، أن أسعار النفط الحالية مرتفعة نتيجة لزيادة الطلب من دول ذات اقتصاديات مزدهرة مثل الصين والهند و اليابان ودول شرق آسيا التي تندفع بقوة لتنافس في مضمار الدول الصناعية، بينما تنحو الدول المنتجة للوقود الاحفوري في تصاعد أسعاره باللائمة على الدول الصناعية التي عرقلت استثمارات الصناعات النفطية من خلال وضع قيود بذريعة القوانين البيئية أمام إنشاء مصاف نفطية مما اوجد نقصا في إمدادات المواد البترولية المكررة. وهناك من ذهب بعيدا في نظرة متشائمة لمستقبل الأسعار وعزا ذلك إلى قرب نضوب النفط ودخول العالم في زمن العطش النفطي بوداعه للبترول الرخيص و يضاد ذلك من يرى بان أسعار النفط تتبع حركة الدورة الاقتصادية في بلوغ القمة ثم الانحدار وأنها سوف تعود من جديد إلى مستويات متدنية بعد عودة الأمن إلى العراق وهدوء القلاقل العمالية في نيجيريا وفنزويلا واستقرار الأعاصير في خليج المكسيك وتشييد المصافي في أجزاء كثيرة من العالم والقضاء على الإرهاب . غير أن القراءة الواقعية في نظري لارتفاع أسعار النفط هي ارتفاع أسعار السلع العالمية التي فرضت ذلك ولو أجرينا مقارنة متواضعة بين سعر كوب من القهوة في احد المقاهي الأمريكية على سبيل المثال لوجد انه يساوي قيمة أربعة لترات من النفط وهذه حقيقة فسعر كوب القهوة الذي يبلغ ربع لتر في مقهى (ستار بوكس) يصل إلى أكثر من 1,5 دولار بينما برميل النفط وفيه ( 159 لتراً) لا يتجاوز سعره 60 دولاراً .إلا أن الدول المستهلكة اعتادت على النفط الرخيص وعلى التهام أرباح طائلة جراء بيع برميل النفط بعد تكريره بأضعاف مضاعفة عن قيمته بصورة خام. والكل يدرك بأن الدول المنتجة للنفط لم تجن أرباحاً طائلة خلال فترة ارتفاع الأسعار الماضية بسب هبوط سعر صرف الدولار حيث كانت تبيع نفطها بالدولار وتشتري سلعا استهلاكية بعملات أخرى كان الدولار ضعيفا أمامها وبالتالي فان ارتفاع سعر النفط أمر طبيعي وهو لم يصل إلى سعره الحقيقي بعد.