كان ياما كان في حي الرائد المقابل لبوابة الكتاب في جامعة الملك سعود حديقة صغيرة لكنها أنيقة وأليفة تستقبل كل ليلة أطفال الحي وعائلاته، الصغار يرفّهون عن أنفسهم، ويمارسون اللعب والجري والمرح والفرح، والعائلات يجتمعون في خصوصية رائعة بعيداً عن العلب الإسمنتية التي ترهقهم بالسأم وتشعرهم بثقل الوقت الذي لا تنقضي أواخره ولا يعرفون كيف تنبت أوائله، فيتبادلون الأحاديث ويكرسون التواصل ويقيمون روابط الجوار والترابط والحميمية بين الجيران، ويقضون أمسيات صيفية من أمسيات ليل " نجد" المبهرة في إيحاءاتها وجمالها وما تبعثه من حالات استرخاء يعكس صحة نفسية تحرّض على عشق الحياة . كانت حديقة الرائد ملاذاً لكل العائلات الذين يغشونها مع سواد الليل ولا ينصرفون إلا وبياض الصبح يدعوهم إلى شئون منازلهم، وفي شهر شوال من العام 1432 أصيبت الحديقة الصغيرة، والصغيرة جداً قياساً بمفهوم الحدائق العامة بنحس، أو رغبة بتكدير أمزجة عائلات وأطفال الحي، أو هي حالة " عبثية " وما أكثر العبث في مشروعاتنا حيث تغيب الرؤى والبرامج وتحديد الزمن الذي يجب أن لا نهدر ساعاته فضلاً عن أيامه، لأن الكلفة تكون باهظة جداً إذا قتلنا الزمن . هذا النحس جعل معدات البلدية، أو إدارة الإشراف على الحدائق، تتجه إلى هذه الحديقة فتغتال الأشجار، وتعيث في أرضها تخريباً، وتقلب عاليها سافلها، وتحولها إلى مشهد بائس ونشاز في حي أنيق، وتأتي بأطنان من الرمل الأحمر والأبيض لتشكل منها تلالاً تدمر المنازل المجاورة عند رياح الصيف، وهبائب الشتاء، وتتسبب متضافرة مع الأتربة التي تواجدت في الحديقة بفعل آلة الحرث، في أمراض للأطفال قبل السكان . أكثر من سنة، وأكثر من انتظار قاتل ومرهق والناس في حي الرائد تعودوا الوقوف على الأطلال في الحديقة يتذكرون الأيام الخوالي، وأحاديث السمر بين العائلات، وفرح الأطفال، و " يادار وين اللي بك العام سهران " ويتحسرون على متنفسهم الوحيد، ومكان ترابطهم، وولادة فرحهم الليلي، وعصارى صخب الأطفال البريء . الله ، الله يازمن جميل مضى، وتخريب عبثي لايعرف مدى زمنه .