زقاق (وجمعها أزقة) كلمة عربية فصحى وتعني الشارع الضيق والمتعرج وغير النافذ غالبا.. وهي كلمة وردت بكثرة في كتب التراث لوصف أزقة بغداد والقاهرة ودمشق.. ومازالت تستعمل في الحجاز لوصف الطرق الضيقة في الأحياء الشعبية القديمة. وأنا شخصيا استعرتها في هذا المقال لوصف (الأزقة البحرية) التي تعد في نظري أحد أجمل تضاريس الأرض.. ويمكنك مشاهدتها بإدخال كلمة fjords في صور جوجل. ويمكن تشبيه هذه المناطق بأسنان المشط الضخمة التي تدخل في مياه البحر لعدة كيلومترات.. وبين الأسنان الجبلية الحادة توجد أودية بحرية ضيقة (طويلة ومتعرجة) يمكن للسفن الإبحار فيها لمسافات طويلة داخل اليابسة. ورغم وجود الأزقة البحرية في ايسلندا وايرلندا وكندا إلا أشهر موقعين يقعان في غرب النرويج وجنوب نيوزلندا.. وما يزيد من جمال هذين الموقعين شلالات مائية كثيرة تتساقط على جوانب الأودية الضيقة يتشتت معظمها قبل وصوله للأرض! وكنت شخصيا قد تراجعت عن زيارة أزقة النرويج أثناء رحلتي الطويلة في أوروبا عام 2001 (كوني ابتعدت كثيرا ناحية الغرب) غير أنني عوضت ذلك بزيارة نيوزلندا عام 2010 والإبحار مرتين في ملفردساوند أكثر أزقتها شهرة وجمالا.. وفي المرة الأولى كان الجو صحوا بحيث تمكنا من الوقوف في الجزء المكشوف من السفينة للتمتع بجمال المنظر، ورؤية شلالات المياه المتساقطة من جبال تبدو وكأنها "قطع كعك" قطعت بسكين حادة. أما في المرة الثانية فأجبرتنا الأمطار على البقاء داخل السفينة، ولكن شلالات المياه بدت من النوافذ أكثر من المرة الأولى بثلاث مرات على الأقل.. وكنت حينها أجلس بقرب والدتي أحاول شرح ما يحدث ولكنني توقفت عن الكلام حين لاحظت أنها لم تتوقف عن التسبيح من جمال ما ترى (وستشاركها التسبيح في حال أدخلت هاتين الكلمتين Milford Sound في صور جوجل). وكان ملفردساوند قد تم اختياره (من قبل الموقع السياحي المشهور ترب أدفايزر) كأفضل موقع جميل على كوكب الأرض.. في حين ضمته اليونسكو لقائمة التراث العالمي. أما من الناحية الجغرافية فتقع هذه الاعجوبة الطبيعية في جنوب شرق نيوزلندا ضمن محمية شاسعة تدعى "أرض الخلجان". ويتجاوز طوله داخل اليابسة 15 كلم، وتحيط به جبال خضراء يتجاوز ارتفاعها 1500 متر.. وبفضل تضاريسه الفريدة تتساقط عليه الأمطار 182 يوما في العام ويُعد من أكثر المناطق رطوبة في العالم.. وحين تتساقط الأمطار تتشكل على الفور مئات الشلالات المؤقتة التي تشتتها الرياح قبل وصولها للأرض فتزيد بالتالي من نسبة الضباب في الجو!! والعجيب أن هذا الزقاق البحري لم يكتشف من قبل الأوربيين إلا بعد وقت طويل من اكتشاف نيوزلندا ذاتها.. فرغم أن جيمس كوك (مكتشف استراليا ونيوزلندا) مر بقربه إلا أنه لم يلاحظ وجوده بسبب بوابته الضيقة التي يصعب رؤيتها من البحر. ورغم أن بحارا يدعى جون جرونو اكتشفه عام 1812 إلا انه ظل مجهولا (لغير سكان نيوزلندا الأصليين) حتى القرن العشرين.. ويعود السبب إلى وقوعه في أقصى نقطة في جزيرة نيوزلندا الجنوبية.. ناهيك عن بُعد نيوزلندا وقلة عدد سكانها حيث لا يعيش اليوم في تلك المنطقة أكثر من 125 شخصا فقط!! .. على أي حال لاحظ أننا لم نتحدث - بحكم التجربة - إلا عن موقع واحد فقط ضمن دولة تقع في أقصى الأرض الجنوبي.. وفي المقابل تتمتع النرويج - في أقصى الأرض الشمالي - بساحل غربي طويل يمتلئ بمئات الأزقة المشهورة سياحيا.. ورغم أنها معروفة من زمن الفايكنج إلا أنها - مثل أزقة نيوزلندا - أكثر من قدرة النرويجيين على استيطانها وأكبر من قدرة هذا المقال على تفصيلها.. (وبالتالي أنصحك قبل اغلاق كمبيوترك بإدخال هذه الجملة أيضا Norwegian fjords)!!