يتطلع الشباب للحصول على وظائف تناسب مؤهلاتهم العلمية، لكنهم يُصدمون بالواقع، وهو ما يجعلهم يفكرون بالسفر إلى المدن؛ بحثاً عن فرص عمل تسد التزاماتهم الأُسرية والاجتماعية. ويرى اقتصاديون أن الهجرة من المدن الصغيرة إلى المدن الكبيرة يشكّل تضخماً كبيراً، بل ويساهم في اكتظاظ سكاني هائل، وهنا لابد من إيجاد طرق تضمن تحويل الهجرة بطريقة عكسية للتخفيف على المدن الرئيسة، ولن يتحقق ذلك إلاّ من خلال التوزيع الجغرافي الجيد للجامعات بالمملكة، وعدم التركيز على المدن الكبرى فقط، وكذلك إعادة النظر بشكل أكثر جدية في توزيع المدن الصناعية، لتكون نواة تنمية حقيقية، وفرص لجذب الاستثمارات. شبان تركوا أسرهم وأريافهم طلباً للرزق بعد أن غابت المؤسسات الحكومية والمصانع عن الحضور إن تحقيق تنمية اقتصادية متوازنة في جميع مناطق المملكة، يساعد على خلق مزيد من الوظائف وتوطينها، وكذلك إيجاد قطاعات انتاجية جديدة، تساعد على تحقيق أهداف مختلفة، إلى جانب المساهمة في تحقيق هدف تنويع مصادر الدخل، حيث إن لكل منطقة من مناطق المملكة سمات خاصة يمكن الإفادة منها واستغلالها لخلق صناعات متوافقة مع طبيعة المنطقة، والملاحظ أن الجهات المعنية بدأت منذ خمس سنوات في تنفيذ هذه الخطط الاستراتيجية ونشر المدن الاقتصادية والصناعية، إلاّ أن هناك بطئا في التنفيذ، وهذا يضر المصلحة العامة. ..وآخرون أثناء اختبار التوظيف تخطيط للمستقبل وقال "سعيد الخالدي": إن من يسعى إلى الرزق في منطقة واحدة كالذي يبحث عن أبرة بين "كومة قش"، مضيفاً أن الوظائف خاصةً بالمدن الصغيرة لم تعد تكفي أعداد الخريجين سنوياً من الجامعات، لذلك نجد أن غالبية الشباب الطموح يسافر ويبحث، وبعضهم يرضى بوظائف بسيطة حتى يستطيع مع الوقت أن يجد ما يلائمه، مبيناً أن هناك بعض الشباب وخاصةً ممن يعيش في المدن الكبيرة يرفض السفر خارجها ويفضل البقاء، ظنّاً منهم أن الوظائف ستأتي إليهم، بل ولا يكلفون أنفسهم مشقة السفر والبحث خارج الحدود، مشيراً إلى أن كثيراً من أبناء القرى يبدأون بالتخطيط لمستقبلهم من بعد التخرج من الثانوية، وذلك بالالتحاق بالجامعات والتخصصات التي تضمن لهم وظيفة في منطقة دراستهم، لتهيئة أنفسهم على الخروج والتعود على المكان. ورأى "إبراهيم راشد" أنه ظل ما يقارب عامين يبحث عن وظيفة في منطقة عسير إلى أن أيقن أن عليه الخروج منها والذهاب إلى جدة، وبالفعل وجدت وظيفة هناك، مشيراً إلى أنها لم تكن على طموحه، إلاّ أنها تُعد جسراً يعبر من خلاله إلى ما يريد في المستقبل. شبان يحضرون من مناطق عدة بحثاً عن الوظيفة «إرشيف الرياض» فكر وقدرة ووافقه الرأي "سلطان خيري" قائلاً: إن الخروج من منطقة إلى أخرى يضيف للشخص بُعداً آخر بمستوى الفكر والقدرة على التكيف، هذا غير اكتشاف المواهب وبعيداً عن السيطرة الأُسرية، وأيضاً يكون الشخص على قدر من المسؤولية، ويستطيع الإفادة من أخطائه السابقة. وأوضح "فوزي الطريفي" أن كثيراً من الموظفين والشباب لا يفضلون البحث عن وظائف في مناطق مترامية الأطراف لعدة أسباب منها؛ ترك الأُسرة، خاصةً إذا كان متزوجاً ويعول أسرته، وكذلك التغرب عن المكان الذي تعود عليه، ولخوف بعضهم من خوض تجربة جديدة قد يوفق فيها أو لا، مشيراً إلى أن فرص هؤلاء قليلة جداًّ مقارنة بمن كان مستعداً لخوض هذه التجربة، فهناك من يرى أمامه هدفا واحدا وهو تحقيق ما يسعى إليه من استقرار وظيفي ومادي، حتى يستطيع أن يكوّن له عائلة ومكان يستقر فيه. شابان قدما من خارج المدينة بحثاً عن وظيفة تأهيل مبكر وذكر "مفرح الرشيد" أن هناك من يبحث ويسعى إلى الرزق، فخرج من منطقته إلى أخرى تشهد طفرة بالوظائف، حيث إتاحة الفرصة للعمل بالشركات والمؤسسات، مؤكداً على أن غالبية هؤلاء عادوا بخيراتهم إلى مدنهم الصغيرة، مبيناً أن البعض الآخر رأى أن الخروج والتوسع في منطقته هو الحل الأمثل فيها. وقال "سعد العبدالوهاب": إن شباب اليوم يحتاج إلى التأهيل المبكر، وما نلحظه اليوم هو التوسع في فرص العمل، والتي بدأت الجهات المعنية بتوزيع الوظائف على كافة مناطق المملكة، فنرى أن أبناء الرياض يوظفون في عسير، وأبناء الشمال يتجهون إلى الغرب وهكذا، مضيفاً أن هذا بحد ذاته مؤشر جيد لتوزيع السكان على القطاعات بشكل متواز، وهذا مانريده بالفعل، فمستشفياتنا ومدارسنا وخدماتنا بكافة مناطق المملكة تحتاج من شبابنا المرونة والتعود على تغيير المكان والتأقلم، حتى يستطيعوا إبراز ذواتهم وتحقيق أهدافهم، وقيل قديماً: "هناك رزق يطلبك، ورزق تطلبه"، لذلك على الجميع اغتنام الفرص. د.عبدالعزيز داغستاني عمالة وافدة وأوضح "د.عبدالعزيز داغستاني" -رئيس دار الدراسات الاقتصادية- أن الأماكن الجاذبة هي المدن الحضرية والرئيسة، وتسمى ب"الثالوث التنموي" وهي الرياضوجدة والدمام، حيث ترتكز التنمية والمشروعات فيها، مضيفاً أن تنمية المناطق المختلفة بالمملكة لتحقيق التوازن الاقتصادي والمجتمعي أشبه بالكلام غير المنطقي، إلى أن كسر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- هذا الأمر، مُشدداً على أهمية أن لا نلوم الشباب، بل نلوم القائمين على التخطيط الذي لم يخلق العدل بالتوزيع بكافة مناطق المملكة، فتفريغ بعض المدن من سكانها يسبب خلل تنموي واجتماعي، وأصبح يسد الفراغ عمالة وافدة!، لافتاً إلى أن بعض المناطق تحتاج خطوتين أساسيتين لتحقيق المعادلة المنصفة وللحد من الهجرة وهي؛ التوزيع الجغرافي الجيد للجامعات بالمملكة، وعدم التركيز على المدن الكبرى فقط، وكذلك إعادة النظر بشكل أكبر جدية في توزيع المدن الصناعية، لتكون نواة تنمية حقيقية، وفرص لجذب الاستثمارات وخلق فرص وظيفية أكبر. فضل البوعينين حافز مادي وأكد "د.داغستاني" على أن الكثير من الشباب وأحياناً الموظفون في كافة القطاعات يرفضون الإنتقال من مدينة إلى أُخرى؛ وذلك يعود للعامل الاجتماعي والألفة المجتمعية للمكان، مضيفاً أن النقل يجب أن يراعي العامل الاجتماعي، وأن يكون مقابله حافزا ماديا. ووافقه الرأي "فضل البوعينين" -اقتصادي- قائلاً: ما أتمناه هو أن يكون هناك تنمية اقتصادية متوازنة في جميع مناطق المملكة، مما يساعد في خلق مزيد من الوظائف وتوطينها، مضيفاً أن المملكة لديها احتياطات مالية ضخمة وهي قادرة بالتخطيط السليم وضع استراتيجية تنموية تحقق هذا الهدف، مبيناً أن حجم السكان يختلف من منطقة إلى أخرى، ويمكن التركيز على المناطق ذات الكثافة السكانية لخلق قطاعات انتاجية جديدة تساعد على تحقيق أهداف مختلفة منها؛ خلق الوظائف، وتنمية اقتصاديات المدن والمناطق، وخلق صناعات جديدة، إلى جانب المساهمة في تحقيق هدف تنويع مصادر الدخل. خلخلة مجتمعات وأوضح "البوعينين" أن لكل منطقة من مناطق المملكة سمات خاصة يمكن الإفادة منها واستغلالها لخلق صناعات متوافقة مع طبيعة المنطقة، ناصحاً بعدم التركيز على الصناعة فقط، بل على الأنشطة الاقتصادية الأخرى، فكثير من المدن الصغيرة في المناطق النائية تشتكي من هجرة أبنائها لطلب الرزق أو التعلم أو للحصول على خدمات مدنية أفضل، ومثل هذه الهجرة تؤدي إلى خلخلة المجتمعات، وتؤثر سلباً على الاستقرار، ذاكراً أن وضع استراتيجية تنموية خاصة يجب أن تكون من أولويات الجهات المعنية، مشيراً إلى أن الهجرة لا تؤثر فقط على المدن الطاردة، بل تؤثر سلباً على المدن المتلقية لهم، وينتج عن ذلك اكتظاظ لا يمكن تحمله كالرياض مثلاً، التي أصبحت تضم أكثر من خمسة ملايين نسمة، جلّهم أتوا من الخارج بحثاً عن الخدمات والوظائف، ذاكراً أنه لا يمكن تحقيق الهجرة المعاكسة دون أن نخلق تنمية اقتصادية في جميع مناطق المملكة. وأضاف: الجهات المعنية بدأت منذ خمس سنوات في تنفيذ هذه الخطة الاستراتيجية ونشر المدن الاقتصادية والصناعية، إلاّ أن هناك بطئا في التنفيذ، وهذا يضر المصلحة العامة.