أحد الكروت الحمراء التي ترفع في وجه أي طالب وظيفة سعودي هو قلة الخبرة والتي تشكل عائقا يمنعه من الحصول على العمل الذي يحلم به. فمثلا لا نتوقع أن تقوم الصروح التعليمية من جامعات وكليات من استقدام فني أبحاث للمشاركة في النشاطات البحثية، لأنها يفترض أنه تخرج من طلبتها من هم مؤهلون لأداء هذه الوظيفة والتي هي بداية لتدرجهم في سلم العمل. ولا نتوقع مثلا أن تقوم المستشفيات باستقدام متخصصين في التقنيات الطبية المساعدة في حالة وجود خريجين من هذه التخصصات من حاملي الدبلوم أو البكالوريس مؤهلين من أبناء الوطن أو أن تختار أن تستقدم غير سعودي لتدفع له بدل سكن وتذاكر سفر وغير ذلك عن السعودي إذا تقدما لنفس الوظيفة ويحملان نفس المؤهل. لكن السؤال الذي يواجهنا؛ هو هل يملك حديثو التخرج الخبرة التي تتطلبها سوق العمل وكيف يحصل على هذه الخبرة؟ وهو سؤال منطقي لمن يبحث عن الجودة في الأداء والتميز ويريد أن يراها متمثلة أمامه في الخدمات المقدمة وفي نوعية اليد العاملة. في زمن التقنية يكون للأيدي العاملة في المهن المساعدة دور كبير ومهم، الاستثمار في المجال الصحي مثلا والبحثي يحتاج مثل هذه الأيدي المدربة، التوسع في مشاريع الخدمات الصحية والمشاريع التعليمية يتطلب تأسيسا راسخا وتوفير أيد وعقولا لتقديم الخدمة وأداء الوظيفة. لذلك يأتي دور التدريب والتأهيل، لو نظرنا مثلا للقطاع البنكي لوجدنا أن برامج تدريب الموظفين الجدد تمتد لعدة أشهر عند بدئهم الوظيفة والسبب أن قطاع المال والأعمال تكثر فيه المنافسة ولا مجال للتقاعس أو حتى أخذ غفوة راحة لذلك يكون الاستقطاب والتدريب أساسيين. هذ المفهوم التدريبي لو طبق في أماكن أخرى وقطاعات أخرى لما واجهنا عائق الخبرة ولخرجنا من دائرة الاعتمادية على استقدام أيد عاملة خارجية ولصنعنا أيدي وعقولا وطنية تبقى وتكبر معنا. على سبيل المثال يمر علينا متدربون في مجال الأبحاث من خريجي تخصصات علمية وبتقادير ومعدلات دراسية متفاوتة وبعد فترة من التدريب (شهر إلى ثلاثة أشهر) يتقنون الأساسيات المعلمية ويعملون مستقلين إذا توفرت الوظيفة وأمامي نماذج ناجحة ممن استفادوا من التدريب واثبتوا قدرتهم على العمل والانتاج والالتزام. فلماذا لا يتم استثمارهم من قبل كلياتهم مثلا للعمل كفنيي أبحاث أو فنيي معامل خاصة مع كثرة البرامج البحثية في الجامعات والكليات؟ في الزمن الذي مضى حين كنت أعمل في الجامعة وفي زمن القحط الوظيفي كان يتم التعاقد مع حديثات التخرج للعمل بعقود مؤقتة من أجل تسيير المعامل، لا أزال أذكر النشاط والعطاء الذي كانت عليه تلك الفتيات، ولا يزال منظرهن أمام عيني وهن يغسلن أرضية المعمل وينظفن طاولاته بأنفسهن ولا ينتظرن عاملة التنظيف كي تقوم بذلك، كما أنني أذكر تجديدهن للتجارب المعملية وتحديثها، للاسف لم تحظ أي منهن بوظيفة في القسم واستفادت منهن أماكن أخرى. لكن في هذا نحتاج أن نستثمر، والاستثمار لن يكلفنا الكثير، فقط شيء من الالتزام ووضوح الرؤية وصفاء النية والاستفادة من الخبرات الموجودة بغض النظر عن جنسيتها لنقل المعرفة والتدريب والابتعاد عن الحلول السهلة المؤقتة حتى لا تكون السعودة سعودة إحلال ضبابية بل سعودة مبنية على الجودة والانتاجية.