المواطنة الحقة تختلف معانيها من زمن إلى زمن. ما يجمع المواطنين السعوديين كثيرٌ كثير، لهذا فالمواطنة الحقة هي المحافظة الحقيقية، والبناء فوق البناء، وإشاعة روح المودة والصفاء، والبحث عن المشتركات الكبيرة، واستبعاد المفرّقات الصغيرة يوافق اليوم الوطني السعودي يوم الأحد 7/ ذو القعدة/1433ه الموافق 23/ سبتمبر/2012م. وهو يوم مشهود في داخل المملكة وخارجها. وفي كل يوم وطني يختلف السعوديون على طبيعة وأهمية ومعنى اليوم الوطني. وما كان يجب اختلاف السعوديين حول هذا اليوم المشهود في جبين الوطن. ولقد كتبتُ مقالات عدة عن هذا اليوم من جوانب مختلفة، وكتب غيري مقالات كثيرة، ولكننا لا زلنا نواجه تساؤلات تثار في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر من كل سنة، ولا أظن أن الأسئلة ستتوقف، ذلك أن لدينا ثقافة واسعة الانتشار لم تع أو لم توافق على أهمية اليوم الوطني في الخريطة السياسية والوطنية للمملكة، ولا تعي أهمية الفكرة الوطنية. بصورة بسيطة جداً يعني اليوم الوطني ذكرى تأسيس الوطن ضمن حدوده الجيو سياسية المعترف بها. وهو تعريف قطري اعتاد الناس في كل دول العالم على الاحتفاء بهذا المفهوم الجيو سياسي. ولا شيء يمكن حصره ضمن حدود جيو سياسية مثل القطر الجغرافي أو القطر المكاني. الأديان عابرة للحدود، والأفكار عابرة للحدود، الثقافات عابرة للحدود. فلايمكن مثلاً أن نقول إن حدود المملكة هي حدود دولة الإسلام، هذا مفهوم قديم لا يمكن ضبطه أو معرفته على وجه الدقة، ولايمكن الدفاع عنه بصورة دقيقة. فالإسلام عابر للحدود والقارات، وهو يوجد في كل قطر. ولم تعد الخريطة السياسية المعاصرة مقسمة إلى دارين: دار الإسلام ودار الحرب. الوطن من الناحية الوجدانية هو الأرض التي نشأ عليها المواطن، يحبها ويختزن في عقله الباطن ذكريات عنها لا يمكن أن ينساها أبداً، لأنها تُشكل له وجوداً مادياً ملموساً، يراه بعينه، ويلمسه بيده ويشم هواءه، ويأكل من نباته، ويشرب من مائه، وهذا كله لا يتأتى للأفكار والأديان. لقد تداخل الناس دينياً وقومياً وتعايشوا، ولكن لكل واحد وطنه الأول، وحنينه الأول. ومن هذا الوطن الصغير (القرية والمدينة) تشكل الوطن الكبير بوصفه كياناً جيو سياسياً متميزاً. وفي الأثر: دياركم دياركم تُكتب لكم آثاركم. العقيدة الدينية لايمكن أن تُعطي مفهوم المواطنة المرتبطة بالأرض، لأنها تُقدم مفهوم الأمة على الوطن، ومفهوم الأمة مفهوم عابر للحدود، وهو مفهوم متحرك، وهو مفهوم يجمع السعودي بأخيه المسلم في أي مكان في العالم، وهذا المفهوم لا يتسق مع العلاقات الدولية المعاصرة، ما يجعل الوطن القطري مفهوماً ثابتاً محدد المعالم. الوطن مفهوم حديث، وهو نتاجٌ من عمل الإنسان في العصر الحديث، وهو ضرورة لفض النزاعات التي قد تنشأ من تداخل الإنسان مع أخيه الآخر عبر حدود سياسية. ولقد أثبتت الخبرات التراكمية أن الوطن كفضاء جغرافي لابد من الالتصاق به والحفاظ عليه، لأن المواطن (مفردة مأخوذة من الوطن) لايمكنه الاستفادة من خيرات وطنه إلاّ بمعرفة تكوينه السياسي وتحديد ملامحه، من أجل العيش داخل هذه الحدود. لهذا كله لا أجد عذراً أو تبريراً مقبولاً يمنع الاحتفاء بالوطن والوطنية، لأنهما يعبران عن الإنسان المواطن، فالاحتفاء بالوطن هو احتفاء بالمواطن، وتكريم الوطن هو تكريم للمواطن، والدفاع عن الوطن وحمايته من الغوائل هو حماية للمواطن، ولا يوجد مواطن بدون وطن. في ذكرى اليوم الوطني السعودي تشرئب النفوس لتعانق هذا الوطن الذي يجمع خصائص فريدة، فدينه واحد، ولغته واحدة، وناسه واحدة، وتاريخه واحد. وطن بهذه الصفات يستحق أن نعمل من أجله، ويستحق أن ندافع عن مصالحه بكل ما لدينا من قوة وعقل ومادة. إذا أُهين الوطن أهين المواطن. في ذكرى اليوم الوطني السعودي لابد أن يفكر المواطن أولاً ويسأل نفسه: ماذا قدم لوطنه. قبل أن يسأل ماذا قدم الوطن للمواطن؟ الأولويات هنا مقدمة منطقية لبناء الأوطان. الأوطان تُبنى بسواعد المواطنين، وعند اكتمال البناء يبدأ المواطن في قِطاف خيرات وطنه، ويأتي في مقدمة القِطاف الشرف والعزة والفخار الذي يحس به المواطن عند ذكر وطنه. بقي أن أقول إن المواطنة الحقة تختلف معانيها من زمن إلى زمن. ما يجمع المواطنين السعوديين كثيرٌ كثير، لهذا فالمواطنة الحقة هي المحافظة الحقيقية، والبناء فوق البناء، وإشاعة روح المودة والصفاء، والبحث عن المشتركات الكبيرة، واستبعاد المفرّقات الصغيرة: مثل القبيلة، أو الجهوية، أو المذهب، أو اللون. علينا أن ننهض بثقافة سمّوها ما تودون مثل: الثقافة السعودية. أقول ننهض بثقافة وطنية سعودية تمتن البناء، وتحافظ على الوحدة السياسية، وتعلي من التنمية المستدامة. وعلينا أن نقدم لوطننا أكثر مما نأخذ منه. ولنا عبرة في أناس تخلفوا عن الركب وتركوا أوطانهم، فوجدوا أنفسهم يحملون صفة: لا وطن. الوطن قيمة لا يشعر بها إلاّ من فقدها. وكل يوم وطني والمملكة في عز وتقدم وسؤدد. وكل يوم وطني والمواطنون السعوديون من خير إلى خير، ومن رفاه إلى رفاه.