تترد عبارة "لا تقطع رزق الآدمي" في أماكن العمل، والمجالس، ظاهرها الرحمة، وباطنها غياب الأمانة تجاه الله والوطن، كم من موظف كسول كثير الغياب أو التأخر أو التململ من أداء واجباته الوظيفية، باق لسنوات على نفس الكرسي أو مترق في صفوف المترقين، لا يحرك ساكناً ولا يقدم خدمة أو إنتاجاً، لاسيما من كانوا في مواقع القطاعات الخدمية أو العدلية أو غيرها مما يلامس احتياجات مباشرة للمواطنين، وقد أبقته هذه الثقافة العقيمة، التي تتعامل بفكر وإدارة ترسلية سائبة أو سطحية مع أشخاص كان الأولى الأخذ بيدهم بشتى الأساليب والدفع بهم نحو العمل، استشعاراً للمسؤولية ومساهمة في بناء الوطن. مكافأة الموظف المجتهد وشخص "عبدالغني القش" -أكاديمي- المشكلة بأنّ المجتمعات العربية غارقة في تداخل الأنظمة بالعواطف، ولذا فإن المشكلات في ازدياد ولا يمكن الحد منها، حيث يبدو واضحاً أنّ أساس المشكلة يتلخص في عدم وضوح الأنظمة؛ بمعنى أنّ الموظف لا يعرف حقوقه وواجباته، وبالتالي باتت مقاليد الأمور بيد المديرين والرؤساء المباشرين، والمفترض أن تكون الإنتاجية هي المقياس والمعيار الحقيقي، فالموظف الكسول يعاقب بناء على إنتاجيته المتواضعة، وفي الوقت نفسه يجب مكافأة الموظف النشيط والمجتهد على ما يبذله، مشددا على أنّ الواقع مؤسف، والأنظمة لا تنصف النشيط، ولا تعاقب الكسول. جهل الموظف بحقوقه وواجباته جعل منه كرة يتقاذفها المديرون والرؤساء المباشرون شكوى المهمل وأوضح "الأستاذ عبدالله السميري" -مسؤول إعلامي في الجامعة الإسلامية- أنّ من يتعدى ضرره لغيره، ولم يراعِ مصالح وحقوق اﻵخرين حتى تراعى مصالحه، فالمفترض أن يوجّه وينبّه بطريقة تناسب حاله، ويشار إلى قصوره لدى المسؤول عنه، ويُجتَهدُ في إصلاحه، فإن شاع قصوره، وعُرِف بذلك ولم يجتهد في تصحيح وضعه وأداء بواجباته؛ فيجب رفع شكوى ضده، فمن لم يهتم ولم يحفاظ على رزقه، فلن يكون غيره أحرص منه على نفسه. دافع المسؤولية الذاتية وذكرت "تهاني الجهني" -موظفة حكومية- أنّها كانت ضحية لهذا النوع من الثقافة التي لم تنصفها، حيث إنّها عاماً بعد آخر بدأت تحس بالملل، فجهدها لا يُقدر، والموظف النشيط تُلقى على عاتقه أعمال زملائه الكسالى، وليس هناك ما يستثير الحماس للإنتاج سوى الإحساس بالمسؤولية الذاتية، والرغبة في تقديم العون، لافتةً إلى أنّ أكثر ما يجعلها منضبطة في عملها هو دعاء المراجعات لها وثناؤهن عليها، والتعرف على فئات وشرائح متعددة في المجتمع قابلنها بالود والمحبة، وأصبحن صديقات لها يشاركنها المناسبات المختلفة. كافئ «المجتهد» كما تعاقب «البليد» فالإداري الفاشل لا يحقق النجاح! الإداري الفاشل ورأى الأستاذ "عبدالحميد عبدالله الحجوري" -مشرف تربوي- أنّ المثل الدارج "قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق" تجاوز حدوده كثيراً، فمع الإيمان العميق بنبل من قاله أو ابتكره، إلاّ أنّ إسقاطه على كل شيء سيجعل المجتمع يتراجع للوراء كثيراً، مشيراً إلى أنّه لابد من استخدام حلول مجدية وجذرية مع كل موظف أو موظفة متقاعسين عن أداء العمل، فهناك جملة من الإجراءات والأساليب، تارة بالترغيب والثواب والتكريم والتحفيز، وأخرى بالعقوبة والردع بتفعيل الأنظمة واللوائح، وبين المرحلتين إجراءات تقويمية ومتابعة مستمرة من المديرين والرؤساء حتى يثبتوا جدارتهم، بدلاً من البقاء خلف المكاتب، والأبواب المغلقة، منوهاً بأنّ الموظف المتقاعس هو نتاج طبيعي لإداري فاشل ومتهاون ومسؤول لا يحسن المحاسبة. المسؤول الحازم ونقلت "فاطمة الحربي" -معلمة- تجربتها مع مديرة ذات شخصية ضعيفة تتساهل في كل شيء، لا تحاسب على التأخير، ولا تتابع الغياب، وتعامل جميع الإداريات والمعلمات بنفس المعاملة دون تمييز بين المجتهد والكسول، حتى كثرت شكاوى الأمهات ضدها، فتحركت المسؤولات في الإدارة التعليمية، وتم إعفاؤها من العمل الإداري قبل أن تتسبب في ضياع الطالبات، مشددة على أنّ وجود المسؤول الحازم سيحد من الموظف غير المنتج، الذي يستشري ضرره ويمتد داؤه وإحباطه لغيره من زملائه، مشيرةً إلى أنّ الإنسانية في التعامل يجب أن تُقدّر بقدرها، وفي ظروف وأوضاع محددة، قد تفرض على الموظف والموظفة انخفاضاً ملحوظاً في معدل الأداء والإنتاج، لاسيما الصدمات النفسية العنيفة أو المرض وغير ذلك. التجميد الوظيفي وأكّد الأستاذ "عبد الله الجميلي" -أكاديمي- على أنّ القضية تحتاج إلى تفصيل، ولها أرضية وإرهاصات وتبعات، فالموظف البليد أو الكسول في الإدارة كالعضو الفاسد في الجسد، لا يمكن بَتره إلاّ بعد استنفاذ جميع الحلول والعلاجات الطبية، كذلك الموظف قبل التفكير في فصله لابد من دراسة أسباب خموله وتبلده وعدم إنتاجيته، فربما قد وضع بطريقة عشوائية في المكان الخطأ، الذي لا يتناسب مع قدراته ومؤهلاته، أو ربما يعاني نفسياً بسبب تجميده وظيفياً، وعدم ترقيته لسنوات طويلة؛ وهذا لاشك يؤثر سلباً على عطائه؛ فكيف يُعطي وهو فاقد لأبرز حقوقه، وأيضاً قد يكون من أسباب عدم إنتاجية بعض الموظفين أنّهم لا يمنحون دورات تدريبية في طبيعة أعمالهم، وهنا إذا دُرست حالة الموظف وكانت هناك محاولات جادة لحل مشاكله، وبعد عدة جلسات معه وإصدار عقوبات في حقه، ثم بعد تلك المحطات اتضح وثبت كسله وعدم مبالاته فلا دواء حينها إلاّ أن تغيب العاطفة فيبتر ذلك العضو أو الموظف الفاسد بفصله لعدم إنتاجيته أو محدودية عطائه، الذي يضر بالمصالح العامة للوطن والمواطنين، والمصلحة العامة مقدمة على الخاصة، مضيفاً: "ولكن حينها أرجو أن يُؤخذ بالنظام المتبع في العديد من الدول، فبعد فصل الموظف يصرف لها جزءٌ من راتبه لمدة محددة، لكي تعينه على المعيشة ورعاية أسرته التي لا ذنب لها، فربما وجد له مصدر دخل آخر خلال تلك المدة المعينة". التجميد الوظيفي يسبب معاناة نفسية للموظف ويضعف دافع الإحساس بالمسؤولية لديه لاحقوق بدون واجبات وقال "د.عيسى القايدي" -أستاذ في جامعة طيبة-: "بدايةً لابد أن نؤكد على أنّ الإسلام قرر للعاملين حقوقهم الطبيعية كمواطنين من أفراد المجتمع، كما جاء بكثير من المبادئ لضمان حقوقهم وذلك بقصد إقامة العدالة الاجتماعية وتوفير الحياة الكريمة لهم ولأسرهم في حياتهم وبعد مماتهم، كما دعا الإسلام إلى معاملتهم معاملة إنسانية كريمة، وإلى الشفقة عليهم والبر بهم وعدم تكليفهم ما لا يطيقون من الأعمال، إلى غير ذلك من الحقوق التي منحها الإسلام للعامل بشكل عام، ولاشك أنّ نظام المملكة يستمد قوانينه وتشريعاته من الإسلام الذي يقرر ذلك، وفي الوقت ذاته لكي يتمتع الموظف بحقوقه فعليه واجبات وظيفية لابد أن يلتزم بها كما حددتها الأنظمة واللوائح والقرارات، سواء النظام العام للخدمة المدنيَّة ولوائحه، أو الأنظمة الوظيفية الخاصة، ومن أهم هذه الواجبات أدائه لأعمال وظيفته بالدقّة والأمانة، ولاشك أنّ البليد أو المهمل يخل بواجبات الوظيفة، التي من أهمها أن يؤدي العمل بنفسه، وأن يخصص وقت العمل لأداء العمل المكلف بإنجازه ومراعاة الدقة اللازمة، وموجبات حسن العمل في حدود اختصاصه، ومراعاة مواعيد الدوام الرسمية، واستهداف أداء الخدمة العامة والمصلحة العامة وغيرها، وللأسف الشديد هناك من يرى القضية بمنظور غير عادل فيطالب بالحقوق دون أداء الواجبات، والنظرة العاطفية للموضوع على حساب مصالح الناس وحقوقهم وهذا لا يقبله نقل ولا عقل»، مؤكداً على أنّ الموظف البليد هو من يجني على نفسه بإهماله أو عدم أدائه لواجبات الوظيفية، فلا حقوق بدون واجبات، وهو ما أكده الشرع والنظام ويبينه العلماء وأهل الاختصاص دوماً. الموظف المهمل قد ينقل العدوى إلى زملائه د.عيسى القايدي عبدالله الجميلي عبدالله السميري عبدالغني القش