قبل عام فقط من الآن وصلت الأوضاع في اليمن إلى منعطف خطير على المستوى السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي وصفه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ب (المؤلم) مطالباً الأطراف اليمنية بعدم إهدار الوقت في صراع عبثي يدفع المواطن ثمنه في بلد يعاني من الفقر والبطالة والأمية وضعف الموارد وكان في ذلك رسالة واضحة من ان المجتمع الدولي لن يسمح هذه المرة بخروج اليمن عن السيطرة وتحوله إلى صومال آخر ينتج الفوضى ويقلق الأمن والاستقرار في محيطة الإقليمي والدولي. ومع ان البعض لم يستوعب مغزى تلك الرسالة ومقصدها الأساسي فإن أطراف الصراع الرئيسية لاشك وانها قد أدركت منذ الوهلة الأولى أن استقرار وأمن اليمن لم يعد شأناً داخلياً وإنما صار شأناً إقليمياً ودولياً والمحافظة على هذا الأمن لم يعد مطلباً وطنياً وإنما أمراً يخص دول المنطقة والعالم .. ولكن وطبقاً لهذا الإدراك هل تغير شيء سواء في التوجه العام للأطراف المتصارعة في اليمن أو في طريقة تعاملها مع إفرازات الأزمة الناشبة في بلادها منذ أوائل 2011 ؟ المؤكد انه لم يحدث أي تغيير جوهري في السلوك العام لهذه الأطراف فضلاً عن أن ما تم إنجازه من خطوات على صعيد تنفيذ المبادرة الخليجية وآليتها المزمنة لا يوحي بان البلاد قد خرجت من عنق الزجاجة بل ان كل المؤشرات تدل على ان حلبة الصراع مازالت ساخنة ومهيجات المبارزة تظهر وكأنها من عناوين هذه المرحلة وان الحيرة لا زالت هي السمة الغالبة لدى معظم اليمنيين الذين يشاهدون بلادهم تغوص يوماً بعد يوم في أزمة مركبة وصراع سياسي قد لايختلف كثيراً عن سائر الصراعات التي تعاقبت على اليمن في حقب مختلفة من تاريخه القديم والمعاصر والتى كانت تحركها العصبويات القبلية أو المناطقية أو العصبويات العقدية بأشكالها الدينية أو المذهبية أو السياسية أو الثقافية أو الفكرية وهي العصبويات التى جعلت من اليمن مرتعاً خصباً للنزاعات والصراعات المزمنة. وهنا تكمن المصيبة الكبرى التى تقتضي من القوى المدنية والحزبية الأخذ بزمام المبادرة والعمل على تكوين رؤية جديدة تنقذ اليمن وتجنبها المخاطر المحدقة وفي هذا الإطار يبرز إلى الواجهة مايعرف ب (أحزاب اللقاء المشترك) بكافة مكوناتها وحلفائها كإطار سياسي مطالب أكثر من غيره بتوضيح رؤيته بشأن سقوف عملية التغيير المراد إنجازها في اليمن وتحقيق التوافق الوطني حولها ليس بحكم ما تتمتع به هذه الأحزاب من حضور شعبي وإنما من كونها المصفوفة السياسية والحزبية التي قادت حركة الاحتجاجات ضد نظام صالح وغذت مجرى الثورة عليه وكانت العباءة التي خرج منها أغلب (المنتفضين) على هذا النظام خاصة وإن عدم إفصاح هذه المنظومة عن رؤيتها حيال مايتصل بمستقبل اليمن الجديد يجعل من تلك الشعارات الوردية التي ظلت تطلقها في سماء الساحات والميادين العامة مجرد بالونات ضغط لتكريس مبدأ المحاصصة وتقاسم كراسي السلطة. إن اليمن اليوم يعيش لحظة فارقة نعرف نقطة بدايتها ولكن لانعلم على أي رصيف سترسو بنا ويفترض من كافة الأطراف السياسية والحزبية في هذا البلد أن تعي مسئولياتها وتفهم دورها إذا ماأرادت انتشال وطنها من المأزق الراهن ونعتقد أن أولى هذه المسئوليات تتطلب منها التخلص من ردات الفعل التي تفتقد أبسط مقومات تحكيم العقل والاتجاه نحو الاعتراف بالأخطاء والخطايا التي ارتكبتها بحق وطنها ومجتمعها باعتبار ان مثل هذا الاعتراف سيشكل المدخل للتعامل مع كافة القضايا العالقة ومن ذلك مايرتبط بالاعتذار لأبناء المحافظات الجنوبية عما لحق بهم من غبن أو تعسف قبل حرب صيف 1994م أو بعدها وكذا الاعتذار لأبناء محافظة صعدة من قبل من تسببوا في شن الحروب عليهم بل إن مثل ذلك الاعتراف سيشجع كل من أخطأوا في الاعتذار عما بدر منهم من تصرفات طائشة وغير محسوبة أضرت باليمن وأبناء شعبه لتكتمل الصورة بقيام مصالحة تاريخية تنهي الأحقاد والضغائن بين اليمنيين وتنقلهم إلى واقع جديد يسوده التسامح والوئام والوفاق الوطني وروح المحبة والإخاء والمواطنة المتساوية. وقبل كل هذا وذاك لابد أن تعلم الأطراف المتصارعة في اليمن انها وحدها من بوسعها إنقاذ اليمن من المصير المجهول الذي أصبحت معالمه بادية لكل من يملك قليلاً من الذكاء والفطنة والحكمة.