يطالب الصناعيون منذ فترة بأن تكون لهم مرجعية حكومية مستقلة بمستوى وزارة أو هيئة ملكية للصناعة، حيث يرون أن الدمج بين وزارة التجارة والصناعية قد أعاق التطور الصناعي بسبب انعدام الوضوح في الرؤية المتعلقة بمستقبل الصناعة وعدم التمكن من مواكبة المتغيرات الصناعية المتسارعة. الأمر الذي أدى إلى تراكم المشاكل والقضايا المهمة غير المحلولة. وعلى ما يبدو فإن الصناعيين محقين في مطالبهم. فنحن أمام قطاعين كبيرين ومتشعبين بصورة واسعة. فالقطاع التجاري هو قطاع ضخم فمجموع صادرات وواردات البضائع والخدمات يشكل 89% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي. وحتى إذا فصلنا قطاع النفط فإن إجمالي حجم الإنفاق على صادرات وواردات البضائع والخدمات غير النفطية لا يستهان به - فهو يشكل ما يزيد على 30% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي. والمسألة هنا لا تقتصر على الأرقام وحدها. فالمشاكل التي يعاني منها التجار والقطاع التجاري، منذ ظهور هذا القطاع إلى حيز الوجود، متعددة. فهذا القطاع مرتبط بالتجارة الخارجية والداخلية والفنادق والشقق المفروشة والشركات المساهمة والغرف التجارية والسجلات التجارية وغيرها. ولذلك نرى أن وزارة التجارة والصناعة مسؤولة عن حل جملة من الموضوعات المعقدة مثل الغش التجاري ومكافحة الإغراق وغلاء المعيشة وهلم جرى. فهذه المشاكل الشائكة مع عولمة الاقتصاد وقيام منظمة التجارة العالمية لم تتضاعف فقط، وإنما تسارع ظهورها. فنحن لا نكاد نواجه مشكلة حتى تظهر خمس مشاكل أخرى تحتاج إلى حل. من هنا فإن الأمر أصبح يستدعي قيام جهة حكومية متخصصة ومنفصلة بحد ذاتها لمعالج مشاكل العولمة ذات الصفة المستعجلة. فالله وحده يعلم ما يكابده معالي وزير التجارة والصناعة ووكلائه لشؤون التجارة، خصوصاً مع موجة الغلاء الأخيرة وتوجه الدول المصدرة لنا للرد على ارتفاع أسعار ما نبيعه من نفط برفع أسعار ما تبيعه لنا من محاصيل زراعية. أما قطاع الصناعة التحويلية الذي يشكل 10% من الناتج المحلي الإجمالي فإنه يحتاج، دون شك، إلى رؤية مستقبلية مغايرة. فهذا القطاع هو قطاع استراتيجي. ولذلك فإن مساهمته في الاقتصاد الوطني يفترض أن ترتفع إلى الضعف على الأقل. وهذا لا يتأتى بدون زيادة الإنفاق الاستثماري الحكومي منه والخاص، هذا الإنفاق الذي على الرغم من الزيادة التي طرأت عليه بعد إنشاء الهيئة العامة للاستثمار، فإنه يبقى دون المعدل الذي من شأنه نقل اقتصادنا إلى اقتصاد قائم على الميزة التنافسية. فمساهمة رأس المال الثابت في الناتج المحلي الإجمالي لم تتعد في النصف الأول من عام 2006نسبة 15%. وهذه نسبة غير كافية إذا ما قارناها مع ماليزيا 39% أو مع مستواه لدينا أواخر السبعينات 30%، عندما كنا نشيد الصناعة البتروكيماوية. إن المملكة على أبواب إقرار استراتيجية صناعية، هذه الاستراتيجية التي سوف تغير الكثير من ملامح تطورنا الاقتصادي. ولذلك فإنه من الأولى والحالة تلك أن يتم فصل وزارة الصناعة عن وزارة التجارة. فمصالح التجار والصناع متعارضة منذ الأزل من ناحية. كما أن الصناعة، من ناحية ثانية، تحتاج في ظل العولمة - مثلها مثل التجارة - إلى وجود جهة حكومية متخصصة مستقلة بحد ذاتها، وذلك لحل المشاكل المتعددة التي تعترض تطور القطاع وزيادة نسبة مساهمته في إنتاج القيمة المضافة. كما أن تطبيق الاستراتيجية الصناعية سوف يحتاج، بالتأكيد، إلى تركيز الجهود على القضايا المتعلقة بتطبيق تلك الاستراتيجية الطموحة وإزالة كافة المعوقات التي تحول دون ازدهار مكوناتها من مدن صناعية واقتصادية ومعرفية.