لابأس إن كنت الآن بجانب زوجتك أو أختك أن تنظر إليها الآن نظرة حاسدة لأنها ستعيش سنوات عديدة أكثر منك. نعم، ستبكي عليك لأيام أو لشهور، ولكن من المؤكد أنها ستكون سعيدة جدا حينها لأنها ليست الشخص الميت الذي يترحم عليه الناس ( الذي هو أنت الرجل) ! الأعمار بكل تأكيد بيد الله تعالى، ولكن أغلب الاحصائيات العلمية تؤكد أن الرجال في العالم يموتون قبل النساء وتقريبا بفارق خمس إلى عشر سنوات، كما يقول العالم توم بيرلز من جامعة بوسطن في حوار مع مجلة التايم الأمريكية حول هذه القضية تحديدا ). لو كان الرجل والمرأة سيارات، فإن ماكينة الرجل، على الرغم من كثرة وقوة أحصنتها، إلا أنها أول من ينتهي صلاحيتها). نضيف لهذه الاحصاءات العلمية التجربة الشخصية. لو تأملت حولك فإن أغلب القصص التي نسمعها هي عن وفاة الرجال تاركين خلفهم زوجاتهم وقليل جدا أن نسمع أو نقرأ العكس . في العادة تموت المرأة بعد أن تكون دفنت زوجها قبلها بسنوات ، ولهذا ربما فمسامعنا اعتادت على مسمى " الأرملة " أكثر من " الأرمل " . ولكن لماذا نموت نحن الرجال قبل النساء ؟ الرجال المتعصبون ضد النساء سيردون ذلك للسبب التقليدي القائل بأن طريقة المرأة الشهيرة في "الزن" والإلحاح فتاكة وقادرة على هد الجبال وليس فقط الرجال ( حتى وإن جادلت بعض النساء بأن رغبتهن الحقيقية تهدف إلى اختراق السياج النفسي الذي يضعه الرجل حوله ليحمي نفسه منهن) . ولكن النساء المتعصبات ضد الرجل، سيعتبرن أن موت الرجل قبل المرأة هو نوع من العدالة الإلهية التي تقتص من الافعال التي ارتكبها جنسه في حقهن مثل الخيانة والزواج عليها والإجحاف بحقها. لا يبدو منطقيا أن الرجل الذي يتمتع بالكثير من المزايا التي فرضها بالقوة الجسدية والمعتقدات الفكرية التي استغلها لإخضاع المرأة منذ آلاف السنوات، لا يبدو منطقياً أن ينتصر أيضا بمعركة طول العمر ! خمس أو عشر سنوات زيادة، تبدو مكافأة نهاية خدمة لا بأس بها! هذه مجرد أسباب طريفة متخيلة، ولكن هناك بالفعل أسباب تبدو حقيقية تجيب عن هذا السؤال المحزن للرجال والمفرح للنساء. الرجل يموت أسرع لنقص اهتمامه بصحته وذلك عائد جزئيا للكراهية العميقة التي يكنها للمستشفيات والمراكز الصحية، على عكس المرأة التي تذهب إليها وكأنها ذاهبة في نزهة. عقل الرجل مصمم على أنه مازال يعيش في الأحراش أو الصحراء حيث عليه أن يتعايش مع الآلام والأوجاع بدون أن يفكر أن عليه أن يراجع المستشفى الذي يقع على بعد أميال من بيته. صحيح أن الرجل ارتدى البدلات والثياب الحديثة، ولكن فكرته عن العناية الصحية لازالت قابعة في الماضي ( تماما كغريزته الجنسية المنفلتة التي لم تتطور مع الزمن). يحدث ذلك مع الرجال على مختلف مستوياتهم التعليمية والثقافية، ودائما ما نسمع أكثر الرجال لمعاناً يكتشفون أنهم يعانون من أمراض قاتلة كان يمكن تفاديها لو تم مراجعة المستشفى في وقت مبكر. طبعا كلنا يعرف هذا المشهد الذي يحاول فيه الأبناء أن يقنعوا أباهم العنيد أن يذهب إلى المستشفى ولكنه يتعنت حتى يتفاجأ أنه على أعتاب الموت فيصاب بالرعب و يرضخ لطلباتهم ! . أعرف أصدقاء لم يهتموا بصحتهم إلا بعد ما أصيبوا بجلطات من مختلف الأنواع، وآخرين عادوا للإهمال حتى بعد طرقات الموت على بابهم. طبعا لا حاجة لمحاولة إقناع الأم فهي تسبق الجميع إلى هناك ،وتعرف كل أسماء الأطباء والممرضات ومواقع العيادات. في الوقت الذي يصاب الرجال بالدوار من ممرات المستشفيات المتشابهة، تتصرف النساء وكأنهن في بيوتهن. كراهية الذهاب إلى المستشفيات لدى الرجل تعود في جزء منها أيضا لدافع ذكوري مخادع منغرس في أعماقه. فالرجل يحب أن يظهر بصورة الانسان القوي وليس الهزيل الذي يتردد على المستشفيات في كل مرة يصاب فيها بالتعب. المرأة على العكس ويكفي أن نعرف أن النساء ، حتى غير المتعلمات منهن، اخترعن عالماً كاملاً من الأدوية الشعبية، ولديهن نظرياتهن الصحية التي تسخر في العادة من نصائح الأطباء والطبيبات. ولكن يبدو أن الوعي الصحي لدى المرأة نشأ من خلال عنايتها بالأطفال . حتى قبل أن تكون، أما عندما كانت فتاة صغيرة ، تتصرف هذه الفتاة وكأنها طبيبة صغيرة تنتبه لمسألة مرض الأطفال الرضع ( طبعا قبل ذلك تهتم بصحة الدمى)، وترقب التقلبات في درجات حرارة أجسادهم، وتهتم أيضا بغذائهم وصحتهم ، ويتطور بذلك بالطبع عندما تصبح أماً خبيرة . نعرف تاريخياً أن المرأة منذ آلاف السنوات تضع اولادها على حساب نفسها حتى لو لم تكن سعيدة في زواجها، وهذا الاهتمام يشمل بالطبع الحفاظ عليهم أحياء وبصحة جيدة. هذه الخبرة الصحية لم يتكسبها الرجل وهو الذي تورط الآن . ولكن لدى الرجل أيضا مشكلة في جسده أو في ماكيتنه. على الرغم من قوة جسده العضلية وتحمله الذي جعل بعض الفلاسفة مثل فرانسيس بيكون يعتبره أفضل من جسد المرأة، إلا أنه في الحقيقة هش في داخله. يقال إن السبب يعود لأن الرجل يندفع في بداية حياته بقوة حتى ينهك كل طاقاته وأعصابه ( يقول العالم بيرلز أن الضغط هو من أهم أسباب موت الرجل بشكل مبكر). على الرغم من أن ذلك تغير جزئيا في العقود الأخيرة، إلا أنه تاريخيا، الرجل هو المسؤول عن إعالة العائلة وتحت هذا الضغط النفسي! والمسؤولية الاجتماعية يندفع الرجل في عمر مبكر ليكدَّ ويعمل وربما يهاجر ويخاطر بحياته من أجل أن يشعر بداخله بالاحترام وليستوفي التوقعات التي ينتظرها منه المجتمع كي يحقق معادلة الرجل المحترم. هذه القوة الكبيرة تعمل على مدار الساعة، ومع الوقت تصل إلى درجة الادمان المجنون الذي يؤدي في النهاية إلي حتفها. الرجل يصبح أشبه بالآلة التي تعمل بطريقة جيدة في البداية، ولكن سرعة محركاتها تتزايد مع الوقت، والمصيبة أن لا أحد يستطيع بعد ذلك أن يوقفها حتى تنفجر من تلقاء نفسها. لذا تساءل بعض علماء الاجتماع عن هوس اليابانيين في العمل الذي لاينهيه سوى الموت. يعمل اليابانيون ساعات متواصلة طوال حياتهم، ويموتون وهم لم يأخذوا قسطا من الراحة للتمتع بما حققوه. المرأة من جهة أخرى تحررت من هذه المسؤولية المنهكة لذا عرفت كيف تضبط إيقاعها على مقياس الحياة. تبدو المرأة و كأنها تمشي خطوة بخطوة حتى تموت- بعد إرادة الله - في التوقيت الصح، بينما الرجل يندفع بكل قوة، ولكنه يموت قبل خمس أو عشر سنوات من خط النهاية! مع عدم الاهتمام بالصحة فإن الرجل يمارس في العادة عادات خطرة تؤدي إلى حتفه. مثلا نسبة المدخنين هي أكثر بكثير بين الرجال ( يتساءل البعض لماذا يدخن الأطباء، وينسون أنهم كانوا رجالا قبل أن يعملوا في مهنة الطب) وكذلك الذين يتعاطون المخدرات والكحول والذين يمارسون العادات الجنسية الخطيرة. الأعمال الخطرة يمارسها الرجل أكثر من النساء، انظر مثلا إلى ضحايا الشرطة أو الاطفاء أو الطيارين أو عمال البناء. الألعاب الخطرة جدا تمارس أكثر من قبل الرجال مثل الملاكمة وسباق السيارات. حتى في كرة القدم شهدنا حالات موت لاعبين، ولكن في مباريات النساء لكرة القدم قليل أن نرى مثل " انبراشات" مدافعي نادي الاتحاد الانتحارية. الرجال أيضا هم من أكثر ضحايا حوادث السيارات بسبب قيادتهم المتهورة. حتى لو قادت المرأة في السعودية فلن نرى أياً منهن ترغب في التفحيط، وسيظل الشباب هم من يقود هذه الظاهرة السيئة. السبب الرئيسي لموت المرأة في الحوادث في السعودية هي أنها لا تقود السيارة، ولكنها المسكينة تسلم أمرها لرجل متهور قد يؤدي إلي موتها. أغلب الانقلابيين والمنشقين والصحافيين والزعماء الفارين الذين يقامرون في حياتهم هم رجال ( القذافي مثلا تعرض لنهاية فظيعة كان الجميع ينتظرها ولكن زوجته صفية فركاش تعيش في الجزائر). لايعني هذا أن المرأة لا تخاطر بحياتها، ولكن لم يعرف عنها ذلك. وربما هذا السبب الوحيد، كما في نظرية الفيلسوف الألماني هيغل عن السادة والعبيد، القائلة بأن الخوف من الموت هو الذي جعل الخائفين منه عبيداً وتابعين للذين تحدوه، وهم السادة. أي أن المرأة حافظت على حياتها ولهذا أصبحت تابعة. ولكن هذا تغير تدريجيا مع الوقت، ويكفي أن نعرف قصة الصحافية الأمريكية ماري كولفين التي عرفت بشخصيتها الشجاعة جدا والتي أدت إلى نهايتها في حمص. ولكن إلى أن تكبر هذه النزعة ستعيش المرأة عمرا أطول من الرجل . لكن من أي تنبع تحديداً هذه النزعة الانتحارية لدى الرجل التي تؤدي إلى حتفه ؟ ربما رغبته بأن يكون سيداً، ولكن ربما بسبب نزعة العنف بداخله التي فرَّغها جزئياً في السابق في الحروب ويعوضها جزئياً في العصر الحديث بالرياضة هي من تدفعه للنهاية السريعة. مبروك للمرأة فهي فعلا تستحق أن تعيش أكثر، كتعويض لها على الأقل. أنا سعيد لها، ولكني أتوقع أن يسألني أحد الرجال الغاضبين الآن قائلًا بأنه يعرف العديد من القصص التي ماتت فيه الزوجة قبل الزوج أو الأخت قبل الأخ . بالتأكيد هذا صحيح ،ولكنه استثناء للقاعدة التي تقول العكس، ومن المرجح أن تكون أنت ( السائل) من سيموت قبل زوجته أو أخته لتثبت صحة هذه القاعدة العالمية. [email protected]