هذا وصف للنار كما جاء في كتاب الله العظيم، وإذا كانت هذه نار الآخرة (سقر) فإن الحروب هي نار الدنيا، نار الآخرة لمن كفر وظلم، وهي تتخصص فقط لذلك تخص ولا تعم، وهو العدل الإلهي، لا تزر وازة وزر أخرى. الحروب ظالمة ومظلمة، لا تعرف الطيب من السيئ، الكل يحترق بنيرانها، وخاصة عندما تكون طائفية، وأهلية، يعرف كل طرف ما لدى الآخر، ويعرف نقاط الضعف والقوة فيهدها هدا.. وفي ذلك تهد الكثير من الناتج الإنساني الوطني من علم وثقافة وفن، تتعطل المدارس والجامعات.. عندما تنطلق الحروب سواءً الداخلية أو التي باعتداء خارجي، يفر الأهالي المساكين والمغلوبين على أمرهم من أمكنة الصراع إلى أمكنة أكثر أمنًا في مناطق الحدود حيث يخشى المتحاربون جر الدول المجاورة للتدخل. بعد التجربة مع ما حدث في حرب فلسطين يمكننا القول: إن اللاجئين المهجرين في البداية سيجدون العون والمساعدات تتدفق عليهم، سواء بدافع الرحمة والحماس لقضيتهم أم بدافع سياسي من الحكومات لاستغلال قضاياهم لمكسب ما. عندما تبرد نار الحرب سيجد المضيفون أنفسهم أمام كتل بشرية قريبة منهم لكنها ليست منهم، هذه الأنفس لها مطالب معيشية، بغض النظر عن الحقوق الإنسانية، ولكن مطالب الحياة فقط، أكل وعمل ومكان للسكن.. من ذلك يدخل الأمر منحنى آخر، وهو صراع آخر بين أهل البلد الأصليين والمهجرين، خاصة تكون مطالب المهجرين أبسط من مطالب المواطنين، فيرضى المهجر بثمن بخس للعمل ذاته الذي يطالب المواطن بقيمة عمله مضاعفة نظرا لارتباطاته الكثيرة ورغبته في تأمين مستقبله وأولاده، ومن هنا ينشأ الصراع. للأشقاء السوريين مثل شعبي يقول (من ترك تاره قل مقداره). وهذه حقيقة لا تنكر. الآن هذه الحرب التي تدور في سوريا، وهي حرب حقيقية بمعنى الكلمة، بين جيشيين. لكل منهما عدته وعتاده وخلفه من يدعمه، ويقيني أن من يفوز بهذه الحرب هو خاسر بالوقت ذاته والأسباب كثيرة وتحتاج لأكثر من مقال لتوضيحها. المهم ما نحن بصدده، حرب لا تبقي ولا تذر.. يقابلها جيش من اللاجئين المهجرين غصبا عن ديارهم.. لا ندري كيف أمضوا رمضان والعيد، ولا ندري عن البؤس الذي أصابهم، وأي شيء تفشى بينهم بعد أن تركوا ديارا خضراء ومساكن تجمع العائلة إلى مجهول لا يدرون نهايته. ومن تتبع الأخبار نجد بوادر الصراع بدأت في العراق، الذي أصبحت حكومته ناكرة للمعروف بعد أن أوت سوريا معظم أفراد الحكومة العراقية بل وسهلت لهم الوصول لمؤتمر لندن الذي أباح ذبح العراق من الوريد للوريد. قد لم نجرب التهجير اللهم لك الحمد على ذلك وأرجو ألا نجربه أبدا، وحتى قيام الساعة، ولكن معنى التهجير فقدان الأمان بكل شيء، الأرض والسكن واللقمة وعندما يفقد ذلك تفقد معه الكثير من القيم.. العبث بمقدرات المهاجر واستغلال قضيته.. ويكفينا ما بلغنا من أن أصحاب النفوس الدنيئة أخذوا يفكرون بالزواج من الفتيات السوريات القاصرات، بدافع الستر، فتيات هاجرن مع ذويهن أو فقدن ذويهن، صغيرات في طور الدراسة والتعليم ويجب إكرام وفادتهن وإتاحة فرص التعليم لهن، لا استغلالهن، فنشط السماسرة ومن خلفهم.. عاد بنا ذلك للشركس وما حدث لهم ولهن خلال الفترة 1864م حتى 1900م.. وآثارها موجودة. إنها الحرب اللعينة التي لا تبقي ولا تذر، وعندما تكون أهلية فهي أشد شراسة.. وقد تطول المدة وتكبر الرقعة.. لا ندري ماذا سيحمله المستقبل لهذا البلد العربي وأي حزن ستبعثه الحرب، وأي حريق.. رباه رحمتك.. فالحرب لواحة للبشر كما جاء في التفسيرات تحرق وجوههم وتسودها.. ونستغفر الله ونعوذ به من كل شر وضر.. واللهم فرّج همهم وكربتهم..