قضية الإرهاب ليست كقضية المخدرات لا يقوم بها إلا مجرمون يعرفون حقيقة جريمتهم. الإرهاب كالسرطان الصامت يتغلغل في النسيج الديني والثقافي. يمكن أن يروج له بطريقة غير مباشرة وناعمة. تقوم دعوة الإرهابيين الأساسية على تكفير الدولة والمجتمع والمسؤولين والإعلام. كثير من برامج الدعاة المطلَقي الأيدي يتضمن هذا، أو تمهد له أو تحبب فيه. عندما يحرض داعية من الدعاة ضد الكتاب أو ضد وزارة الإعلام، أو ضد وزارة العمل مكيفاً الدين لاحتضان وجهة نظره هو في الواقع يسهم في تكوين مناخ التكفير المناسب لمن يعملون في ميدان الدعوة السرية والتجنيد. أتذكر مرة أنني جلستُ في احدى سفراتي إلى جانب شاب مبتعث في التاسعة عشرة من عمره. يلبس بنطلون برمودا وينسدل شعره على كتفيه، وعيناه تمزقان عباءات النسوان. بعد محادثة قصيرة تبين لي أن هذا الشاب ليس كمظهره وليس كتصرفاته الشبابية وإنما في داخله مشروع إرهابي مستعد. يؤمن أن الغرب عدو تجب منازلته، يؤمن ألا مكان للمرأة سوى البيت، يؤمن ان كتّاب الصحف والليبراليين كفرة يعملون ضد الدين إلى آخر ما يروج له يوميا وعلى بعض المنابر من المساجد إلى التويتر. اختلاف هذا الشاب عن شباب الصحوة في المظهر يعود إلى التغيّرات التي طرأت على خطاب الدعاة في السنوات الأخيرة. لم نعد نسمع من يكفر حليق اللحية أو المسبل. تركوا صغائر الأمور والملفتة للنظر. ركزوا على بناء الشباب من الداخل. صار لدينا شباب أخطر من شباب الصحوة. هذا الشاب يخدعك مظهره العصري والمفارق لسمة الصحوة إلا أنه جاهز. بلغ المرحلة التي ستستلمه الأيدي الخفية. يقف في السرا في انتظار المناسبة التي يلتقي فيها بالمندوب السري المندس في حلقات تحفيظ القرآن، أو في المدارس العامة أو في إحدى سفراته. يحدثني صديق عن أحد أقاربه ممن ألقي عليهم القبض ضمن زمرة جيهمان التي اقتحمت الحرم المكي الشريف. يقول صديقي إن هذا الشخص قبل شهر فقط من مشاركته مع جيهمان كان في بانكوك يتعاطى كل المعاصي. يقول فوجئنا أن جاء اسمه ضمن الملقى القبض عليهم داخل الحرم. كيف استطاع جهيمان إقناعه بالاشتراك في عملية ستودي بحياته في غضون شهر واحد فقط؟! في الواقع لم يقنعه جيهمان. هناك مئات من الدعاة جهزوه وأعدوه للحظة التي سيلتقي فيها بجهيمان أو غيره. اللحظة التي يتم فيها تفعيل البرامج التي شحن بها. هذان الشابان اللذان أعلنت عنهما الجهات الامنية يوم أمس الأول، والشاب الذي التقيته في الطائرة نسيج واحد. يلتقون في الفكر مع آلاف الشباب السعودي الذين تراهم في دبي أو بيروت أو في شارع التحلية. إذاً فإن تراجُع عدد العمليات الإرهابية وتباعدها لا يعود للنقص في الجنود المستعدين للتضحية ولكن إلى حذر العاملين في مجال التجنيد السري، وخوفهم من قوة الجهات الأمنية الضاربة..