ثمة صفتان أريد التركيز عليهما في كلمة توديعية لوالدي العزيز محمد بن عبد المحسن بن حسن بن سعيد رحمه الله.. وهما صفتا الحَزم والانضباط.. كما قال لي زملاؤه في العمل ومعاصروه.. أو في منزله الصغير الحجم والكبير إيواءً لأطفال ونساء يعيشون على ماخطه لهم الرجل الوحيد ورب الأسرة محمد بن سعيد.. من حزم وانضباط.. فقبل نصف قرن أو يزيد.. أحضرني عمي (بإيعاز حازم) من أبي وأنا ابن الخامسة من بيت أمي وأخوالي كي أعيش وأتربى عنده.. وعندما قدمت لأعيش في منزل نجدي (كلاسيكي) حيث تمتد الأسرة في المنزل الطيني الصغير لتشمل الزوج والزوجة والأولاد والأب والأم إن كانا على قيد الحياة.. بل قد تجد إخواناً وأخوات (كما حصل مع الوالد) يعيشون في نفس المنزل الطيني الصغير تحت رعاية وكنف رب الأسرة.. حتى ولو كانت ظروف ذلك المُعيل المادية متواضعة.. وهو ما كان ينطبق على والدي أيضا.. وبعد انضمامي للعائلة بسنة أو تزيد قليلاً توفي جدي رحمه الله.. ومن هنا برزت صفة الحزم والانضباط لدى الوالد في التعامل مع عائلة ممتدة في مواجهة الحياة وصروف الدهر.. فالأم (جدتي) هي من كانت الأَولى رعاية واهتماماً من ابنها الكبير محمد بن سعيد.. وبالأخص بعد وفاة والده.. لينضم الأعمام الثلاثة وعمتان ليكونوا بمثابة أولاده بجانب زوجته وولدان من أُمين مطلقتين (أنا وأخي الأكبر) وأخت صغيرة لم تتجاوز السنة.. إضافة إلى أن عمة من العمتين تزوجت لتعود بعد سنوات قليلة مطلقة.. وبصحبتها ثلاثة أطفال صغار لينضموا إلى العائلة الممتدة في المنزل الطيني الصغير.. وتمر السنين تباعاً على عائلة محمد بن سعيد تكون فيها الأم (أُم محمد) هي منبع الحكمة ومحور بر واهتمام رب البيت.. أما البقية (الزوجة وأنا وإخوتي وأعمامي وعماتي) فكانت تربية واهتمام يتجلى فيها الحزم والانضباط على الجميع.. وكان نصيبي من تربية والدي ملازمتي إياه وخدمته لعقد من الزمان أو يزيد.. من سن الثامنة إلى الثامنة عشرة.. حيث أُبتعثت لدراسة الطب في لاهور.. اهتماماً وتربية منه.. يكون فيها نعم الأب.. وعاطفة المحبة لي منه لا يمكن أن يُبديها (كغيره من الرجال في الماضي) لكني أشعر بها عندما تعن لي حاجة طفولية.. يلبيها لي.. وأنا الطفلُ والمراهق الذي حُرم من وجود الأم بجانبه منذ سن الخامسة.. فكان ما غرسه فيَّ وأنا طفل صغير من حزم وانضباط.. عوناً لي لتذليل الكثير من الصعاب في بلد الغربة بعيداً عن ناظريه وإشرافه المباشر.. ومن نافلة القول ان الوالد لم يتلق تعليماً مدرسياً.. بل تعلم في الكتاتيب ولدى الشيوخ وأبرزهم الشيخ المديميغ رحمه الله.. كالكثير من أبناء جيله.. ومع تدني مستوى الوالد التعليمي إلا أنه كان يمتلك خطاً جميلاً وقارئاً ومتذوقاً للأدب والشعر.. ولا أنسى قولاً كان يردده ويكتبه على كتبه ومن بينها العقد الفريد.. يقول فيه: لكل شيء آفة.. وآفة الكتب إعارتها.. فرحم الله والدي محمد بن سعيد رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.. إنا لله وإنا إليه راجعون. * مستشار الطب الوقائي في الخدمات الطبية.. وزارة الداخلية محمد بن سعيد