ودعٌتنا والدتي الصالحة بنت عبيد بن غنيمان العصيمي بعد مغرب يوم الخميس 3/10/1432ه، بعد أن أكملت صيام شهر رمضان المبارك بحمد الله تعالى، ورغبة منها أن تصوم الست من شوال، ولكن أدركتها المنية قبل ذلك، والتي جاءت بعد عمر مديد (106) أعوام قضتها في تربية أولادها (ثلاث من الذكور، وأربعة من الإناث) جميعهم يحملون شهادات عالية، وشغلوا وظائف جيدة، فقد كانت مُحبّة للعلم وتُشجع عليه؛ وإن لم يكن لها نصيب منه. أم كأي أم تنطبق عليها صفات الأم بحق، حباها الله بقدر وافر من الحنان والجدية.. قال لي أحد المعزين: على من تبكي.. على أم اشتهرت بالخير والدعوة إليه.. ولا أزكيها على الله. ماتت الأم؛ وكان اليوم الأول من شهر رمضان المبارك تجمعنا في منزلها، وتسعد بالتفاف أطفال أولادها حولها، وأطفال أحفادها، وهم يقولون: يا جدة (فين العيدية)، وتوزعها عليهم بسخاء؛ وتشترط أن لا ينفقونها في شراء الطراطيع.. وتوضح لهم أخطارها. لها ذكريات ومواقف مؤثرة في حياتي، هذه الأم التي تفرض احترامها على الصغير قبل الكبير.. عرفت عنها تعلقها الشديد بوالدها، وتدعو لصلة الرحم ومحبة القرابة.. ماتت أمها في طفولتها بين أيديها، وتزوجت والدي وهى ابنة اثنتا عشر عامًا، ولم يرزق والدي من الأولاد إلا منها. لها نمط غريب في التربية لم أجده في النظريات الحديثة، ولا حتى في تجاربي في مهنة التدريس والإشراف التربوي؛ فإذا وجدت من أحد أولادها خطأ تُحضر العصا وتقول: خذ واضربني؛ وكأنها هي التي ارتكبت الخطأ.. ويستحي الابن أو الابنة مما حدث منه.. ويبادر بالاعتذار ويعد بعدم التكرار.. والدتي: رحمة الله عليك، وجزاك الله عنا خير الجزاء، وأسأل الله العلي العظيم رب العرش الكريم لك الرحمة والمغفرة والرضوان، حيث ربتنا صغارًا واعتنت بنا كبارًا.. والدتي الحبيبة إلى قلوبنا.. كيف ننساك فقد كنت المصنع الأول في تربيتنا.. والدتي العزيزة نشعر ونتألم لفقدانك فقد حزنّا عليك أشد الحزن؛ ويشاركني جميع أولادك وأهلك وأخواتك وأبناء عمومتك وجيرانك وصديقاتك وأرحامك.. وإنا لفراقك لمحزونون. قال الله تعالى: (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا) ولا حول ولا قوة إلا بالله.. إنا لله وإنا إليه راجعون. مبارك فهد العصيمي - مكة المكرمة