هذه ليست دعوة إلى استخدام كل ما يؤدي إلى الفشل، وهي أيضا ليست دعوة لأن نغلق أبواب النجاح أمام كل مجتهد ومخلص. الفشل هو رفيق النجاح، ومن الفشل نتعلم سلوك الطرق المؤدية إلى النجاح بأرقى المعايير وأقلها كلفة وأقصرها مدة. التجربة الأولى، في كل جديد، محفوفة بالمخاطر فإن نجحت كان بها، وإن لم تنجح فلأن هناك أمور لا يمكن التكهن بها ولا نعلم ما قد يحدث فجأة ويقلب الموازين والمعايير. عندما نعيد التجربة مرة أخرى تكون نسب النجاح أفضل وأداء العمل والإنجاز أكثر دقة وأسرع. ماضينا مليء بالتجارب الناجحة والفاشلة، ولو نظرنا إليه بعين واحدة فاحصة متأملة، تحلل الأمور، وحاولنا أن نجعل منه نبراساً يضيء لنا المستقبل لحققنا الكثير. بعد ذلك نفتح العين الأخرى لننظر إلى مستقبلنا بوضوح أكثر وآمال أكبر في تحقيق النجاح المنشود. الماضي انتهى بخيره وشره ولا يمكن أن نغير فيه شيئا، وإن كنا نستمد منه التجربة. وفي عيشنا الحاضر ليس أمامنا إلا المستقبل كي نفكر فيه ونحيا من أجله. في حياتنا الشخصية محطات كثيرة توقفنا عندها منذ طفولتنا إلى وقتنا الحاضر. في كل يوم، بل في كل ساعة هناك جديد وهناك متكرر من المواقف والمشاهد. السويّ منا لن يغفل قياس ما يجِدّ على ما حدث في الماضي إن تشابهت الظروف والمعطيات، وهنا نستفيد من ماضينا في ألا نكرر كل سلبي وكل مسار رافقه الفشل في مرحلة من المراحل. في حياتنا العملية، وفي علاقتنا مع الآخرين لا بد من أن نستحضر الماضي بكل أبعاده ونستفيد من التجارب بغية الوصول إلى أفضل النتائج. هناك مشروعات صادفها الفشل، وهناك قرارات جانبها الصواب، والحكمة هنا تقول: ألا نغفل الماضي ونكرر الخطأ. نظرتنا يجب أن تكون واسعة ولا تقتصر على أنفسنا ومجتمعنا وإنما تمتد لتشمل كل من حوالينا ممن يعيش نفس الظروف والملابسات. الأنظمة الصحية وأنظمة العمل والسلامة المرورية والخدمات الاجتماعية والتعليمية وغيرها كلها تستوجب إعادة النظر والتحليل والاستفادة مما مضى، وهنا تبرز الحاجة إلى استيعاب الدروس مما لدينا ومما حوالينا. أجزم أن هناك أخطاء ارتكبت في قطاع ما ومن بين الأسباب التي قد تكون أدت إلى ذلك هو أن العين الفاحصة المتأملة التي ننظر بها إلى الماضي كانت مغمضة. مضى زمن طويل والدولة تضع خططاً خمسية لكل قطاع لكي يحدد احتياجاته، ويبين أهم المشكلات التي واجهت تنفيذ مشروعاته، وأفضل الطرق للتغلب عليها. لو عدنا إلى هذه الخطط وما كتب فيها لوجدنا أن الكثير مما خطط له لم ينفذ، وأن هناك أخطاء وقعت في قطاع وكررها الآخر. نحن بإذن الله قادرون على أن نصنع مستقبلاً مشرقاً لبلادنا عندما نلقي نظرة فاحصة على الماضي لأخذ العبرة ثم ننتقل إلى الحاضر لتنفيذ ما خططنا له بدقة وأمانة، وأعيننا مفتوحة على المستقبل الذي لا يمكن أن يكون مشرقاً بمعزل عن ماضينا وحاضرنا.