ما صرح به الرئيس أوباما عن تدخل عسكري في سوريا في حال استخدمت أو نقلت حكومة الأسد أسلحة كيماوية أو بيولوجية، قد فسر هذا القول بأنه استهلاك محلي غايته الانتخابات، لكن دعونا نفرض احتمال تنفيذ هذا العمل أسوة بما حدث في بلدان أخرى مثل العراق، وليبيا ويوغوسلافيا وغيرها، رغم وقوف روسيا بالجانب المضاد للتدخل، ومع ذلك وقفت على الخط تتفرج فقط.. الوضع في سوريا قد يكون مختلفاً بتواجد عسكري روسي كثيف في السواحل وهناك خبراء وأسلحة تزود فيها قوات الأسد، ووسائل رصد وتجسس تقني متقدم، لكن في هذه الحال لو افترضنا تدخلاً أمريكياً هل تجازف روسيا بإشعال حرب لا يعرف خواتمها قد تصل إلى حرب عالمية ثالثة، وحتى إيران لا يمكن أن تجازف بدخول مثل هذه الشبكة العنكبوتية، وخاصة مع قوى تتفوق عليها بالسلاح والمال؟ أمريكا ليست لديها النوايا بالتدخل السريع بالوضع السوري، لأن التجارب السابقة جعلتها تعاني خسائر فادحة بشرياً ومادياً، وسوريا مسلحة بما فيه الكفاية بأن تواجه التدخل بقوة جيدة، لكن بمقارنة الجيش السوري مع جيش صدام حسين، نجد العراق كان يملك قوة محترفة خاضت حرباً طاحنة مع إيران واحتلت الكويت، واعتبر الجيش واحداً من أكبر الجيوش في تعداده وعدته التقليدية، وبالتالي لم يمنع أمريكا وحلفاءها أن يغزوه ويحتلوه، وقد تصبح سوريا هدفاً إذا ما رجحت المصالح والمكاسب على غيرها.. هناك من يعتبر مجلس الأمن العقبة والحل، وأنه بدون توافق بين الأعضاء لا حل لأي قضية مختلف عليها، وسوريا تدخل هذا المضمار من السباق بين الفرقاء، لكن متى كان المجلس هو المعيار، فروسيا تدخلت بعدة دول ولم تأخذ بصيغ وقرارات المجلس، وكذلك فعلت دول الأطلسي، ولذلك فالمجلس ليس من يحدد العمل بالقوانين الدولية، واحتمال أن ينفذ أوباما تحذيره مع حلفائه قد يراها ليس انقاذاً لشعب سوريا، وإنما لحسابات أخرى تراعي حماية الأمن الإسرائيلي، وهذا بحد ذاته مبرر أقوى من الخلافات والاتفاق على مجريات الأوضاع بسوريا.. هناك قطبية جديدة تتشكل وقد تحمي الشعوب من التدخلات والحروب، وأن الصين وروسيا والهند، والاتحاد الأوروبي، وأمريكا الشمالية قد تصبح هي من تمثل هذه القطبية الجديدة، لكن قبل أن تتساوى بالقوة، سيبقى حلف الأطلسي بقيادة أمريكا اللاعب الأساسي، وقد تمادت بقوتها بعد زوال الاتحاد السوفيتي أن تتحرك لمناطق النزاعات الحساسة بدون أخذ إذن أحد، لا مجلس الأمن ولا الأممالمتحدة، ولا تزال نراها تضغط وتحاصر إيران اقتصادياً وسياسياً، ومثلها من تعتبرها خارجة عن القانون في كوريا الشمالية وكوبا وقد ألحقت سوريا مع تلك الدول، وإذا كانت تمارس هذه الأدوار بحكم قوتها، فقد لا ترى ما يمنعها أن تتدخل بسوريا، ولا أحد سوف ينازعها على هذا التصرف محتمية بأنها لا تزال القطب الواحد المتصرف بهذا الكوكب..