تُفضّل معظم الأسر التي تسكن المدن الكبيرة المزدحمة قضاء إجازة عيد الفطر مع أقاربهم في القرى والمدن الصغيرة، الذين لايزالون محافظين على هويتهم التقليدية ذات الطابع القروي رغم كل وسائل التجديد والمتغيرات في الحياة، باقين على ما كان عليه الآباء والأجداد، فتجد البساطة دون تكلف، والتمسك بالماضي من دون خوف من المستقبل، محاولين بذلك إحياء الماضي القديم رغم النهضة العمرانية الحديثة والثورة الاقتصادية الكبيرة التي تعيشها المملكة، وهو أمر لا شك أنّ له رونقا خاصا وممتعا في الوقت ذاته وجذابا بشكل يمكنك من إعادة الأحداث المثيرة في تاريخك، واسترجاع ذكريات الطفولة الجميلة وأنت تشاركهم الاحتفال بالعيد؛ لذا فإن العديد من تلك الأسر تحرص في وقت مبكر على إعداد العدة وتجهيز الشنطة، وربط الأمتعة، والتزاحم على استئجار البيوت، والاستراحات، والشقق المفروشة التي لا تتجاوز أصابع اليد في تلك القرى. معاناة متكررة وتبدأ معاناتهم في كل موسم عند كلمة "محجوز" أو عبارة "لا يوجد مكان" التي أصبحت مألوفة كل عام لدى كثير أثناء عملية البحث والتحري رغم توصية الأخ والقريب وتزكية المالك؛ ما يضطر بعضهم على أن يبقى أسيراً للغلاء الفاحش الذي يستنزف جيوبهم، والأسعار المضاعفة التي توازي الفنادق والمنتجعات ذات الخمس نجوم، فلم يجدوا أيّ رحمة من جشع التجار، ولم تكن رقابة الجهات المسؤولة عوناً لهم في مواجهة الاحتكار بضبط ومحاسبة المتلاعبين بالأسعار، كما ترضخ بقية الأسر لقبول المكان كيفما كان من دون قيد أو شرط، حيث يفتقر للخدمات الأساسية من كماليات الراحة، وأدوات النظافة، ووسائل الترفيه، واشتراطات الوقاية والسلامة، وعند مقارنة الأسعار بالجودة والخدمات المقدمة نجد أنّ هناك فرقاً شاسعاً لا يمكن قبوله بالعقل، ولا بلغة الأرقام التي تجاوزت حد المعقول. السكن عند الأقارب وتضطر بعض الأسر التي تسكن المدن القريبة من القرى على التردد بشكل يومي من مسكنهم الدائم إلى مكان اجتماعهم الأسري، حيث تحزم أمتعتها أول النهار وتعود آخر الليل طوال فترة العيد، متكبدةً عناء السفر ومشقة الطريق وخطورة السير وزحمة السيارات وتعطل حركة المرور بكثرة نقاط التفتيش وحوادث المركبات؛ نتيجة السرعة والتهور وتجاوز الأنظمة ومخالفة التعليمات، في حين أجبر بعضهم على أن يحلوا ضيوفاً عند أقربائهم الذين تربطهم علاقة الصهر أو الرحم أو النسب بعد الإلحاح و"التلزيم"، ويأبى آخرون منهم إلاّ أن يدفع بأسرته على أقربائه من دون إشعار مسبق ويرمي "الجمل بما حمل" فرصة ينتهزها لشح الشقق وضعف العرض، ويبقى ضيفاً ثقيلاً يتقاسم البيت مع أهله واللقمة مع أصحابها في كل عيد، مستنداً إلى مقولة "شيء بلاش ربحه بين"، وتؤيده الزوجة بعبارة "الناس للناس والكل بالله". "الرياض" رصدت توجه بعض الشقق نحو زيادة الأسعار في موسم العيد مقارنة بما قبله، حيث يصل إيجار الشقة المكونة من غرفتين إلى ثلاث غرف خلال هذه الأيام ما بين ال (250-350) ريال، فيما سترتفع قيمة الإيجارات في إجازة العيد - بناء على حديث العاملين - لتصل إلى (350) ريال للغرفتين، ولا يتوقف الأمر عند إيجارات الشقق بل يتعداه إلى ارتفاع تسعيرة الخدمات المقدمة كالشاي والمرطبات والمياه، مستغلين زبائن الموسم، ومبررين ذلك بكثرة الطلب وقلة الشقق السكنية المفروشة، خاصةً في المدن الصغيرة والقرى. عائق تنفيذ المشروعات بدايةً أشار "خالد بن صالح الخليوي" - مدير عام شركة بودل الفندقية - إلى أنّ المعضلة الأساسية التي تعيق رجال الأعمال من عمل مشروعات استثمارية في الشقق الفندقية بالقرى والمدن الصغيرة هي عدم قدرتها على تغطية مصاريفها التشغيلية من إيراداتها الشهرية، لأنّ نسبة الإقبال عليها تكاد أن تكون موسمية في أيام الإجازات الدراسية الفصلية والعيدين فقط، أمّا بقية أيام السنة فهي شبه ضعيفة، مبرراً أنّ بعض القرى تفتقد للدوائر الحكومية والمراكز الأهلية الخدمية والمجمعات التجارية والمنشآت الترفيهية؛ ما يجعلها منعزلة غير محفزة، ولذا هي تعيش حالة من الخدور والركود التجاري، وعلى النقيض من ذلك ما يحدث في المدن الرئيسة التي تشكل النسبة التشغيلية للشقق والفنادق (80%) على مدار السنة في ظل تزايد عدد الزوار، لافتاً إلى أنّ شركات الاستثمار في قطاع الوحدات السكنية والفندقية قطعت شوطًا كبيراً في تطوير هذا النشاط، ولديها خطط مستقبلية جديدة لتغطي جميع مدن المملكة. أسعار مرتفعة وأكّد "عبدالرحمن بن ناصر الخريف" - كاتب ومختص اقتصادي - أنّ أسعار الشقق مرتفعة، وذلك لا يتناسب مع إمكانات معظم أفراد الشريحة التي تجبرها الظروف على قضاء أيام الإجازة داخل المملكة، إضافة إلى عدم توافق تلك الأسعار مع العائد الذي يحصل عليه السائح من خدمات تكلفتها عالية وقد لا يحتاجها، معتبراً أنّ من أهم أسباب ارتفاع أسعار الشقق المفروشة تمثل في التركيز في إيجاد تلك الشقق والفنادق مبان وخدمات، ولم يُركز في الجوانب التي تضمن نجاح النشاط وتقديم الخدمة المناسبة مثل ما يُطبّق في الدول السياحية، ومن تلك الجوانب تجاهل وغياب ثقافة الحجز المسبق الذي يجبر الملاك على عدم رفع الأسعار، بل وتقديم عروض منافسه وأقل من الأسعار الرسمية قبل بدء الموسم. الحجز الآلي واقترح "الخريف" على هيئة السياحة إلزام جميع الفنادق والشقق المفروشة بفتح موقع الكتروني وتقديم خدمة الحجز الآلي عبر البطاقات الائتمانية، لتمكين جميع السياح من التعرف الى الشقق ومستواها وأسعارها والإفادة من عروض التخفيضات، إضافة إلى وضع نظام آلي موحد للحجز مرتبط بهيئة السياحة للقضاء على السوق السوداء الحالية والعقود الوهمية للتأجير بالباطن، وتكون جميع العقود وإيصالات الاستلام تتم عبر النظام وفقاً لما هو مطبق في كثير من الدول، وذلك لتسهيل الرقابة على دور الإيواء السياحي، محذراً من أنّ الاستمرار على الوضع الحالي ليس في صالح تلك الاستثمارات، لكون الجيل الجديد من أفراد المجتمع لا توجد لديه معوقات لقضاء الإجازات خارج الوطن، نظراً لتمكنه خلال دقائق معدودة من مقارنة الأسعار والخدمات مع الدول المجاورة التي تستهدفه وترحب به بأقل التكاليف مما ينفق بالداخل. نظام لتصنيف المنشآت وأوضح "ماجد بن علي الشدي" - مدير عام المركز الإعلامي بالهيئة العامة للسياحة والآثار - أنّ الهيئة بذلت جهوداً نوعية للنهوض بقطاع الإيواء السياحي، خاصةً الوحدات السكنية المفروشة، منذ نقل اختصاص الإشراف على هذا النشاط لها بناءً على تنظيمها الذي صدر في عام 1429ه، خصوصاً وأنّ بعض الوحدات كانت تعمل من دون أي اشتراطات تتعلق بالخدمة ومستويات الضيافة والفندقة، مشيراً إلى أنّ الهيئة استحدثت نظاماً جديداً لتصنيف المنشآت بالدرجات، اشتمل على تطوير معايير دقيقة لتقييم المنشآت والخدمات التي تقدم بها، مع إعداد سياسة لتسعير الخدمات؛ مما أسفر عن إعادة هيكلة النشاط، بحيث حددت درجة تصنيف كل منشآة بناء على خدماتها، وحدد سقف السعر الأعلى للوحدات السكنية بما يضمن مساواته مع الخدمات المقدمة، لافتاً إلى أنّه شارك في وضع هذه الدراسة ملاك ومشغلوا الوحدات السكنية، إضافة إلى أعداد كبيرة من المواطنين في مناطق مختلفة من المملكة، لضمان وضع معايير وضوابط سعرية تناسب السياح، وتضمن بقاء المستثمرين في السوق. دراسات وتوصيات وأضاف "الشدي": "حرصاً من الهيئة على استمرار تطوير أساليب إدارة وتشغيل هذا النشاط، والوصول به إلى مستويات خدمية تليق باسم المملكة وما يتطلع له المواطنون، فقد أعدت الهيئة دراسة متخصصة في مجال إدارة وتشغيل الوحدات السكنية المفروشة بالتعاون مع أحد المكاتب العالمية المتخصصة، وخرجت الدراسة بتصورات وتوصيات واضحة لتطوير إدارة المنشآت، وتعمل الهيئة الآن على تفعيل النتائج مع القطاع الخاص، كما أعدت الهيئة أدلة استرشادية تساعد المستثمر على فهم متطلبات هذا النشاط، وتساعد مدير المنشآة على فهم واجباته ومسؤولياته، وفيما يتعلق بتوسيع الفرص الوظيفية للمواطنين بهذا القطاع الخدمي المنتشر بجميع مناطق ومحافظات المملكة، أنشأت الهيئة بالتعاون مع وزارة العمل وصندوق تنمية الموارد البشرية مركزاً متخصصاً ضمن هيكلها يهتم بتوفير كل ما يكفل تهيئة القوى البشرية الوطنية للعمل في هذا المجال الخصب، وربطت الهيئة إصدار تأشيرات استقدام العمالة الخدمية والفنية التي تحتاجها الفنادق والوحدات السكنية المفروشة بالمركز. محفزات الإستثمار في القرى وذكر "الشدي" أنّ المستثمر يبحث عن أفضل العوائد لاستثماراته، وقد تكون المنافسة شرسة وعالية المخاطر اليوم أمام المستثمرين المتواجدين في المدن الرئيسة، نظراً لعدد المنشآت الكبيرة والمتنامية، معتبراً أنّ هذا يفتح الفرصة لتوجه المستثمرين للاستثمار في المحافظات الأقل نمواً، التي تحتاج لزيادة العرض خاصةً مع النمو الكبير لمستوى الطلب في كثير من مدن المملكة، وهذا ما تؤكده إحصاءات الحركة السياحية التي ترصدها الهيئة بشكل مستمر، مبيناً أنّ الهيئة تقدم حزمة من المحفزات للمستثمرين للتوجه للمناطق التي يفوق فيها الطلب السياحي على العرض، وتلك المواقع التي يتوقع أن يزداد عليها التدفق السياحي إذا اكتملت مشروعات التهيئة في المواقع السياحية والأثرية ومواقع التراث العمراني، سواءً القرى التراثية أو الأسواق الشعبية ونحوها، موضحاً أنّ المحفزات تتنوع بين تقديم الاستشارات الفنية والدراسات التسويقية والدعم المادي الذي يقدم حالياً عن طريق بعض صناديق الدولة مثل "البنك السعودي للتسليف والإدخار"، وبرنامج "كفالة" التابع لصندوق التنمية الصناعي، التي تعتمد على ما تقدمه الهيئة من توصية بدعم مشروعات مختارة، مفيداً أنّه تم فعلياً تمويل بعض الوحدات السكنية المفروشة في عدد من مناطق المملكة.