في الألعاب الأولمبية جوانب رياضية وغير رياضية لا تكتمل متعة المتابعة بدونها، بل هي إضافة معرفية لمن يفضل ان يرى الصورة بكافة ابعادها وينجذب إلى رؤية كافة العناصر المكونة للأولمبياد، والنظر إلى الأطر التنظيمية والتقنية التي تجتمع فتخرج للعالم حدثاً يبهر الناس بتنظيمه وروعة إخراجه. أول ما يشد الانتباه هو العمل المبكر للإعداد، فإذا أخذنا أولمبياد لندن 2012 على سبيل المثال فإن التحضير لهذه المناسبة الضخمة بدأ قبل سبع سنوات، وكانت البداية بإنشاء المقر الأولمبي بأسلوب يراعي البيئة تنفيذاً للأهداف المتفق عليها في عرض استضافة الألعاب الأولمبية في لندن 2012. وفي أولمبياد لندن تم استخدام وسائل النقل العام والمشي والدراجات الهوائية للوصول إلى مواقع المسابقات. كما تم إنشاء محطة قطار جديدة تحمل ما يصل إلى 25,000 راكب بالساعة من وسط لندن إلى القرية الأولمبية. هذه القرية هي أول وأكبر متنزه جديد في أوروبا منذ 150 سنة، وتم فيه تحويل الأراضي الملوثة إلى طبيعتها الأصلية من نهر ومنطقة أراضيها مشبعة بالمياه لتعود إليها الحياة البرية. كما أن دورة لندن هي أول دورة أولمبية تعرض إرثا دوليا من خلال وعدها باستغلال قوة الألعاب الأولمبية لتتواصل عبر الرياضة مع صغار السن، وقد منح برنامج الإلهام الدولي هذه الفرصة لما يفوق 12 مليون طفل في 19 دولة. أما حفل الافتتاح فكان فعلاً فرجة ثقافية عرضت فيها بريطانيا تاريخها وثقافتها وإنجازاتها بطريقة فنية رائعة. كان الافتتاح لوحة فنية متحركة غنية بالعناصر الثقافية نجح المخرج في تقديمها بصورة مثيرة بعد بروفات كثيرة كان آخرها قبل الافتتاح بيوم واحد وحضور خمسين ألف متفرج، وقد كانت تكلفة هذا الحفل (27) مليون جنيه إستيرليني وشارك فيه (15) ألف فرد من مختلف أنحاء العالم بقيادة المخرج العالمي داني بويل. تلك معلومات منشورة ومعروفة، أما الملاحظات والانطباعات بعد بدء المسابقات فهي تختلف من شخص لآخر. بالنسبة لي ألاحظ أن من النادر وجود حالة احتجاج على الحكام أو تبرير الخسائر بالتحكيم فالروح الرياضية هي السائدة، والجمهور يتفاعل بشكل إيجابي ولا يمنعه التشجيع الحماسي لأبناء الوطن من تشجيع الآخرين. فالتفوق والتميز في الأداء الرياضي يشد انتباه الجميع، ويحظى باحترام الجميع والمتأخر بالسباق لا ينسحب بل يكمل السباق وسط تشجيع ودعم الجمهور. وأتوقف عند المقابلات التلفزيونية مع اللاعبين بعد الفوز أو الخسارة فأجد أن المذيع يكتفي بطرح سؤال مختصر ويترك المجال لللاعب ليتحدث دون مقاطعة في حين أن بعض المذيعين لدينا يبدأون بالإجابة ثم يطرحون السؤال!! أما الإعداد للمسابقات وتجهيز الأرضيات والمنصات والحشد الهائل من الدعم اللوجستي والخدمات فهي بلا شك تجبرك على المتابعة وتسليط الضوء على الجوانب المساندة المحيطة بالمنافسات وعلى أداء المتطوعين الذين كان لهم دور في تنظيم المواصلات وتقديم المعلومات والخدمات. ولا تكتمل الصورة بدون النقل التلفزيوني وتقديم مادة موجزة بشكل مستمر ونقل المشاهد التلفازي إلى الملاعب ليستمتع بنقاء الصورة وروعة الإخراج ودقة المتابعة. أما الإنجازات الرياضية الفردية والجماعية فهي لا تأتي إلا بالعمل الجاد والتدريب الشاق، والصبر والإرادة ووجود هدف واضح وقد لاحظنا أن كل لاعب يحقق الذهب يتحدث عن حلم لكنه حلم لا يتحقق إلا بالعمل وليس بالتمني، وجزء من ذلك العمل هو التدريب ودور المدرب وطريقته في التدريب والتفاعل النفسي مع اللاعب. ويلاحظ أن المعلقين - من غير العرب - يبنون توقعاتهم على معطيات مهنية لا عاطفية. الأولمبياد مدرسة في الإدارة، والتدريب، والتنظيم، والعمل الجماعي المتناغم، وتعزيز المشاعر الوطنية بطريقة حضارية.