تحدثّنا في عدة مقالات عن مرض الفصام الذي يُعتبر أكثر الأمراض النفسية خطورةً وصعوبةً ويُشكل أول مرض نفسي يُسبّب الإعاقة بين الأمراض النفسية. مرض الفُصام يصيب حوالي ما بين 1 إلى 1.5% من عامة الناس. يُعتبر هذا المرض الصعب من الأمراض التي تُكلّف مبالغ طائلة لعلاج ورعاية المرضى الذين يُعانون منه، نظراً لتأثير هذا المرض على الأسر والمجتمعات. مرضى الفُصام جزء منهم يتعالج وتتحسّن حالتهم بشكل جيد، ويشكّل هؤلاء حوالي 25% من المرضى، وحوالي 50% من هؤلاء المرضى يعيشون بين انتكاسة وشفاء مؤقت من المرض ولكن لا يتحسنون بشكل دائم مثل النسبة الأولى، وفي المقابل هناك نسبة تصل إلى 25% تتدهور حالتهم النفسية والعقلية ويُصبحون مرضى فُصام مزمنين. هؤلاء المرضى المزمنون يُعانون بما يُعرف بالأعراض السالبة، وتتمثل في الانزواء والابتعاد عن الآخرين وعدم الاهتمام بالنظافة الشخصية؛ مثل الاستحمام وتفريش الأسنان وقص الاظافر والشعر و يُصبح الشخص شكله قذراً ويُثير التقزز، خاصةً إذا لم يكن أحد يعتني به وهذا للأسف ما يحدث مع كثير من المرضى، لأن أكثر مرضى الفُصام إما يكونون فقراء، ينحدرون من أسرٍ فقيرة أو أن المرض يجعلهم فقراء نظراً لأن المرضى بالفُصام ينحدر مستواهم الاجتماعي، حسب نظرية " الهبوط الاجتماعي" التي تقول بأن مرضى الفُصام ينحدرون اجتماعياً إلى مستوى أقل بعد إصابتهم بمرض الفُصام خاصةً إذا تخلّت عنهم أسرهم، كما يحدث في الدول الغربية والتي ظهرت منها هذه النظرية. هؤلاء المرضى الذين يُعانون من الفُصام المزمن قد ينتكسون وتنشط عندهم الأعراض التي تُعرف بالأعراض الإيجابية. مثل هؤلاء المرضى الذين كانوا هادئين وديعين لا يتكّلمون مع أحد، فجأة يُصبحون يُعانون من هلاوس سمعية أو أي هلاوس آخرى. هذه الهلاوس قد تجعله عدوانياً أو مضطرباً سلوكياً، قد يقوم بأعمال ليس معتاداً أن يقوم بها وغريبة عن سير حياته منذ إصابته بمرض الفُصام. قد يعتدي على أحد بالضرب أو يقوم بتكسير بعض الأغراض دون هدفٍ واضح. يكون هذا السلوك مصدر استغراب الأهل الذين عهدوا بابنهم أو ابنتهم الهدوء وعدم التعّرض لأحد، بل كان المريض هادئاً منطوياً على نفسه لا يتحدّث مع أحد ويعيش في عالمه الخاص، ربما كل ما يُشغله هو الحصول على سيجارة كلما انتهت سيجارته التي يُدخّنها. هذا الانتكاس الذي يحدث للمرضى المزمنين بمرض الفُصام، قد لا يحدث كثيراً، لكنه إذا حدث فإنه يكون مزعجاً للأهل و للأشخاص المحيطين به، خاصةً إذا كان المريض يتناول علاجاً خاصاً بالتعامل مع الأعراض السلبية أو الفُصام المزمن والتي عادةً لا تكون مناسبة للأعراض الإيجابية. في مثل هذه الحالات يجب على الأهل أو على الأشخاص الذين يعتنون بالمريض أن يُراجعوا الطبيب الذي يُعالجه لأنه في أكثر الحالات يكون بحاجةٍ إلى تغيير العلاج. في هذه الحالة قد يكون أكثر المرضى على دواء معروف لعلاج الفُصام المزمن وهو علاج فعّال فعلاً لعلاج الفُصام المزمن وهو دواء لأعراض الفُصام المزمن ولكنه قد لا يكون فعّالاً مع الأعراض الإيجابية لمرض الفُصام، هذا الدواء هو "الكلوزابين" أو كما يعرفه الكثيرون باسمه التجاري وهو "الليبونكس". هذا الدواء الذي تم اكتشافه في الخمسينيات من القرن الماضي، ثم تم سحبه من الأسواق نظراً لأنه سبب في وفاة عدد من المرضى بسبب نقص كريات الدم البيضاء، ولكنه عاد مرةً آخرى في الثمانينات بالتدريج، وأصبح يُستخدم تحت إجراءات مُعينة مثل أن يقوم الفريق العلاجي بعمل تحليل دم كل أسبوع في بداية العلاج لمعرفة عدد كريات الدم البيضاء لمدة بضعة أشهر ثم يتم عمل تحليل دم كل أسبوعين لبضعة أشهر ثم كل شهر ويستمر على هذا الوضع لمعرفة مستوى كريات الدم البيضاء حتى لا يتم انخفاض عدد كريات الدم البيضاء إلى مستوى خطر يُهدد حياة الشخص، عندئذ يتم إيقاف هذا الدواء وتغييره إلى علاج آخر . أيضاً هذا العلاج قد يُسبب الصرع عند بعض المرضى، لذلك يجب إيقافه عندما يُسبب نوبات صرع للمريض ويُستبدل بأدوية أخرى ربما قد تكون أقل فاعلية في علاج الفُصام المزمن و لكن هذه الأدوية تكون أكثر أماناً من ناحية الأعراض الجانبية. إذا أصيب مريض الفُصام المزمن بأعراض إيجابية مثل الهلاوس والضلالات وأصبح يُشكل بعض الخطورة أو يُسبّب مشاكل لأسرته أو من يعتني به، فيجب مراجعة علاجاته التي يتناولها، لأنه كما ذكرت قد يحتاج فعلاً لتغيير في هذه العلاجات التي أعُطيت له لأنه مريض فُصام مُزمن يُعاني من أعراض فُصام سالبة، بينما عندما تحدث أعراض فُصام إيجابية. ما الذي يجعل مريض فُصام مزمن يُعاني من الأعراض السالبة لمرض الفُصام يتحّول إلى مريض فُصامي يُعاني من أعراض إيجابية لمرض الفُصام والتي تختلف في مسيرتها المرضية عن الفُصام المزمن وبطريقة علاج مختلفة؟. التحّول من الفُصام المزمن إلى فُصام نشط بأعراض إيجابية قد يكون لأسباب عديدة، ربما يكون تغّير في طبيعة المرض نتيجة تغيّر في الموصلات الكيميائية في الدماغ أو نتيجة تغيّرات في المحيط الذي يعيش فيه المريض مثل تنقلات كثيرة يعيشها المريض، كالسفر المتعدد مع أشخاص مختلفين كثيرين، ويتنقّل في طائرات وبين بلدان متعددة، فالتنقّل بين المطارات و الفنادق قد يجعل المريض ينتكس، كذلك التغيّر في ظروفه الاجتماعية المحيطة به مثل وفاة شخص قريب منه كان يعتني به، أو سفر أشخاص مقرّبين منه كانوا يعتنون به ومُلتصقا بهم. أيضاً عندما يكون المريض المزمن في مصح لفترة طويلة من الزمن ثم خرج من المصح الذي قد يكون اعتاده لسنوات واعتاد الروتين والحياة بطريقة مُعينة ثم خرج إلى مكان آخر مثل العودة إلى المنزل وتغيّر عليه الجو المحيط به بشكلٍ كبير فقد يجعله هذا ينتكس وقد تتغيّر الأعراض السالبة إلى أعراض إيجابية. التغيّر من الأعراض السالبة للفُصام المزمن إلى الأعراض الإيجابية قد يكون لأي سبب، مهما تعددت الأسباب فإن ذلك يكون مُزعجاً للأشخاص الذين يرعون هذا المريض. تغيير العلاج ربما يكون هو أهم شيء في مثل هذا الوضع، فيتم بالتدريج تخفيف الأدوية التي كانت تُستخدم لعلاج أعراض الفُصام السالبة وتعويضها بأدوية من التي تُستخدم لعلاج الفُصام النشط، أي صاحب الأعراض الإيجابية مثل الهلاوس والضلالات. قد يجد الطبيب النفسي المعالج صعوبةً في نقل المريض من الأدوية التي تُعالج الأعراض السالبة إلى أدوية آخرى تُعالج الأعراض الإيجابية. في بعض الأحيان يكون هناك حاجة لإدخال المريض الفُصامي المزمن الذي ينتكس ويضطرب في سلوكه ويُصبح عبئاً على ما حوله وعلى المجتمع، فإن إدخاله إلى قسم طب نفسي في مستشفى عام أو إلى مستشفى نفسي متخصص لبعض الوقت حتى يتم تعديل الأدوية السابقة التي تختص بعلاج الفُصام المزمن. من أكثر الأدوية في الوقت الحاضر التي تستخدم لعلاج الأعراض الإيجابية لمرض الزهايمر هي ما يُعرف بالأدوية المضادة للذُهان غير التقليدية ،وأشهر هذه الأدوية هي الريسبيريدال والزيبركسا، والريسبيريدال دواء جيد وكذلك يمكن أن يستخدم كحقن طويلة المفعول، كل أسبوعين حقنة بجرعات مختلفة. يمكن البدء في علاج المريض المزمن الذي انتكس بالأدوية التي ذكرتها وهناك بالطبع مجموعات آخرى من الأدوية، وربما يمكن أن نبدأ علاج المريض وهو منوّم في المستشفى وبعد أن تستقر حالته يمكن إخراجه من المستشفى على أن يتم متابعته في العيادة الخارجية بشكلٍ متواصل وعلى فترات مُتقاربة. الالتزام بالعلاج والأدوية التي يصفها الطبيب أمر في غاية الأهمية لأنه حسب الدراسات التي قامت بها البروفسورة إيفا جونسون؛ رئيسة قسم الطب النفسي في جامعة إدنبرة بأن السبب الأول لانتكاسة مرضى الفُصام هو التوقّف عن تناول الأدوية الخاصة بعلاج الفُصام، حيث تبلغ نسبة مايتجاوز 76% من الذين ينتكسون ممن يُعانون من مرض الفُصام هو بسبب التوقّف عن تناول العلاج الموصوف لهم من قِبل الطبيب المعالج دون استشارة الطبيب المعالج. لذلك يجب عدم التقليل من أهمية العلاج ومواصلة تناول العلاج بالنسبة للمريض الذي ينتكس من المرضى المزمنين بعد وضعه على الأدوية الجديدة التي تُعالج الأعراض الإيجابية. في نفس الوقت يجب توخّي الحذر من الأعراض الجانبية التي تُحدثها الأدوية المضادة للذُهان غير التقليدية، لأن كثيرا من الأدوية لها أعراض جانبية قد يكون بعضه سيىء، ولذلك يجب متابعة المريض الذي يتناول هذه الأدوية بشكل مستمر. المرضى الذين يُعانون من الفُصام المزمن ليسوا قليلين في مجتمعنا، ولكن للأسف ليس لدينا إحصائيات دقيقة عن عدد المرضى الذين يُعانون من مرض الفُصام بوجه عام، وبالتالي ليس لدينا إحصاءات عن المرضى المزمنين بالفصام، برغم أن هناك عائلات كثيرة تُعاني من أن أحد أفرادها يُعاني من مرض الفُصام، وقد دعتني جمعية نفسية في الكويت للحديث عن تجربتنا في السعودية مع مرضى الفُصام، نظراً لأن الجمعية السعودية الخيرية لمرضى الفُصام هو الجمعية الوحيدة في الشرق الأوسط، وتشرفت بأن أكون من المؤسسين لهذه الجمعية الخيرية ونائبا لرئيس مجلس الإدارة بها، وتحدثت عن تجربتنا في الجمعية وتحدث بعض أهالي مرضى الفُصام عن معاناتهم في هذا اللقاء الذي تم بحضور وزيري الصحة والتربية والتعليم ورعاية سمو الشيخة أوراد الجابر الأحمد الصباح، وتمخّض هذا اللقاء الذي عُقد في مدينة الكويت عن مؤتمر عُقد في الكويت نظمه الأطباء النفسيون الكويتيون عن مرض الفُصام. إننا ننوي الآن عقد مؤتمر كبير عن مرض الفُصام ونأمل أن يتم ذلك بمساعدة الجهات الحكومية وغير الحكومية التي ترعى مثل هذه الأنشطة الطبية والاجتماعية . هناك أمرٌ مهم قبل أن أختم المقال أود الإشارة إليه وهو موضوع التأهيل لمرضى الفُصام ، خاصةً مرضى الفُصام المزمنين، فالعلاج الدوائي أمره سهل ويستطيع أكثر الأطباء النفسيين علاج المرضى الفُصاميين بالأدوية ولكن يبقى عامل التأهيل الذي يحتاجه مرضى الفُصام بشكلٍ كبير وبوجود أشخاص متخصصين في التأهيل لمرضى الفُصام،لأن التأهيل أمرٌ مهم لبقاء مريض الفُصام على اتصال بالمهارات الاجتماعية التي يحتاجها كثيراً، فمرضى الفُصام ، خاصةً الذين يُعانون من الفُصام المزمن تتدهور مهاراتهم وسلوكياتهم الاجتماعية وهذا يُشكّل عبئاً على أهل المرضى، ولكن بتأهيل هؤلاء المرضى بشكلٍ جيد يساعدهم على القدرة على الاختلاط مع بقية أفراد المجتمع بشكلٍ مقبول. للأسف الشديد لا توجد مراكز خاصة بتأهيل مرضى الفُصام في المملكة ونحن فعلاً بحاجة لمثل هذه المراكز سواء أكانت حكومية أو أهلية، فأهالي المرضى يدفعون مبالغ خيالية عندما يضعون أبناءهم في مراكز تأهيل في الخارج سواء كان ذلك في المراكز الغربية أو في بعض الدول العربية. مرض يصيب حوالي ما بين 1 إلى 1.5% من عامة الناس التوقف عن أي علاج يجب أن يكون تحت إشراف طبي حوالي 50% من مرضى الفُصام يعيشون بين انتكاسة وشفاء مؤقت