قدر المملكة كان ومازال وسوف يستمر بإذن الله أن تكون رائدة التضامن الإسلامي والحريصة كل الحرص على مصالحه وتوثيق عرى العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية وقبل ذلك وبعده عُرى الصداقة والأخوة في الإسلام بين شعوب ودول العالم الإسلامي وذلك انطلاقاً من مسؤوليتها كقبلة للمسلمين، وخادمة للحرمين الشريفين وهي تستند في ذلك إلى دعوة إلهية تأمر بالتعاون على البر والتقوى وتنهى عن التعاون على الإثم والعدوان وذلك منذ عهد الملك المؤسس - طيب الله ثراه - وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - رائد الحوار الأول على المستوى الداخلي والخارجي العربي والإسلامي والعالمي. التدرج المنهجي هو الطريق إلى النجاح وذلك من خلال التشاور والتنسيق بين الدول الإسلامية في كل الأمور والارتقاء إلى مرحلة التضامن مستهدفين الوحدة الحقيقية التي تعبر عنها مؤسسات فاعلة تعيد للأمة وضعها الطبيعي في سباق الحضارة وموازين القوة. نعم لقد عقد أول مؤتمر إسلامي في التاريخ بدعوة من الملك عبدالعزيز في مكة عام (1344ه) حينما كانت أغلب بقاع العالم الإسلامي والعربي ترزح تحت نير الاستعمار وذلك للتشاور فيما آلت إليه الأمة في ذلك الوقت، أما أول قمة نظامية فقد عقدت في المملكة المغربية عام (1399ه) ومنذ ذلك الوقت أصبح مؤتمر القمة الإسلامي يعقد بصورة دورية، مع العلم انه تم عقد (11) مؤتمر قمة إسلامية عادية وثلاث مؤتمرات قمة إسلامية استثنائية، هذا وقد عقد المؤتمر الاستثنائي الثالث في مكةالمكرمة عام (1426ه)، أما الرابع فهو ذلك الذي سوف يعقد في هذا الشهر الكريم (1433ه) وكلاهما بدعوة ومبادرة من الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - وذلك ادراكاً منه للظروف العصيبة وعدم الاستقرار، والظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم الإسلامي وأهمية اجتماع قادته في ليلة القدر في جوار بيت الله الحرام واتفاقهم على كل ما فيه مصلحة للإسلام والمسلمين واضعين بعين الاعتبار التحديات والتطورات والتقلبات التي يواجهها العالم الإسلامي والتي يأتي في مقدمتها ما يلي: * الاستقطاب والتوتر الحاصل بين بعض الدول الإسلامية. * تدخل بعض دول العالم الإسلامي في شؤون دول إسلامية أخرى. * الحرب المفتوحة ضد الشعب السوري الشقيق. * عدم الاستقرار الذي يشوب بعض دول العالم الإسلامي وانعكاساته. * الصعوبات الاقتصادية التي تواجه بعض الدول الإسلامية. * بروز بعض المظاهر السلبية في بعض الدول الإسلامية مثل الاحتكام إلى الطائفية والعرقية والخلافات الحدودية والنزعات الاستقلالية وتغذيتها من قبل الآخرين. * تداعيات الإرهاب وتهريب المخدرات والاتجار بها ومحاولة زرع الجريمة المنظمة في المجتمعات الإسلامية وتداعياتها. * القضايا المصيرية التي يواجهها العالم الإسلامي في فلسطين وجزر الإمارات وكشمير وغيرها. * الهجمة الشرسة التي تتعرض لها بعض الأقليات الإسلامية مثل التصفيات الجسدية ضد المسلمين في بورما (ميانمار) والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والشباب والشيوخ في عملية استئصال عرقي لم يسبق له مثيل. * غياب التكامل الاقتصادي والأمني والثقافي والعلمي والبيئي والصحي والسياسي والاجتماعي بين الدول الإسلامية. * التوتر في الخليج وانعكاساته على مستقبل الأمة الإسلامية. * حوار أتباع الأديان والحضارات وأهمية توثيق العلاقات مع كافة دول العالم دون تمييز. وبما أن مؤتمرات القمة الإسلامية العادية والاستثنائية قد ناقشت كثيرا مما تم ذكره، واتخذت بصدده القرارات المناسبة فإنها لا تحتاج إلى إعادة مناقشته بقدر ما تحتاج إلى تفعيل ما تم التوصل إليه من قرارات على ان يحدَّد لذلك جدول زمني لا يُحاد عنه وبالتالي فإن أهم ما يجب الاهتمام به ما يلي: * العمل على نصرة الشعب السوري، والعمل على إعادة الاستقرار إلى ذلك البلد العربي المسلم بأسرع وقت ممكن تلافياً للتدخلات غير المرغوبة وتحاشياً لحرب أهلية مقيتة. * التوتر في الخليج بسبب تدخل إيران في شؤون دول الخليج والعمل من خلال المؤتمر على احتواء ذلك وبالأسلوب الذي يعزز التضامن الإسلامي ويفوت الفرصة على من يريد شراً بالإسلام وأهله سنّة وشيعة. * مناصرة الأقليات الإسلامية التي تتعرض للاضطهاد والتصفية الجسدية. * العمل على تعزيز دور العالم الإسلامي في الرأي العام العالمي بحيث يحسب له ألف حساب طبقاً لما تمليه قدراته الخلاقة غير المستغلة حتى الآن. وإذا عدنا إلى خطاب الملك عبدالله - حفظه الله - في مؤتمر القمة الإسلامي الاستثنائي الثالث الذي عقد في مكةالمكرمة عام (1426ه) نجد انه وضع النقاط على الحروف بحيث يمكن اعتبار ذلك الخطاب وثيقة يُستهدى بها. وقد تطرق ذلك الخطاب إلى ما يلي: - المطالبة بإعادة الأمجاد الحضارية للأمة الإسلامية والعمل على ان تتبوأ مكانتها اللائقة بها بين الأمم كقدوة حسنة في جميع المجالات. * تشخيص الوضع المتردي في العالم الإسلامي ووقوعه فريسة للعصابات الشيطانية والأفكار المنحرفة التي تفسد في الأرض ودعوته إلى التفاؤل وتقوية الايمان والعمل على توديع الفرقة والشتات والضعف تمهيداً لصنع مستقبل زاهر أساسه الوحدة والقوة والعزة والتمكين. - العمل على تطهير العقول والأرواح من فساد الفكر والتطرف المنحرف الذي ينادي بالتكفير وسفك الدماء وتدمير المجتمعات ومناشدة مجمع الفقه الإسلامي للقيام بدور عظيم في مقاومة الغلو والعمل على نشر فضيلة الاعتدال والوسطية. - العمل على نشر التسامح بين أبناء الأمة ودولهم، وبين العالم الإسلامي والدول الأخرى باعتبار ان التسامح كفيل بزرع روح التقارب ونبذ الفرقة، وردم الفجوة التي تفصل المسلم عن أخيه المسلم أو أخيه الإنسان. - إدراك ان الوحدة الإسلامية لن تتحقق بالمتفجرات وأنهار الدماء كما يزعم المارقون الضالون ولكنها تتحقق بالايمان والمحبة الصادقة والاخلاص في القول والعمل. - إدراك ان التدرج المنهجي هو الطريق إلى النجاح وذلك من خلال التشاور والتنسيق بين الدول الإسلامية في كل الأمور والارتقاء إلى مرحلة التضامن مستهدفين الوحدة الحقيقية التي تعبر عنها مؤسسات فاعلة تعيد للأمة وضعها الطبيعي في سباق الحضارة وموازين القوة. - إدراك ان المسلم الحقيقي هو الإنسان القوي بايمانه وعلمه والمتميز بمبادئه وأخلاقه والأنموذجي بمسلكه وتعامله، والمبدع بأفكاره وابتكاراته. - الدعوة إلى عدم انغلاق المجتمع المسلم على نفسه وعدم استعداء الغير، والعمل على الانفتاح على العالم والتفاعل معه والأخذ بكل نافع والبعد عن كل فاسد ومد يد الصداقة إلى كل من يرغب مستهدين بقوله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم) الآية. - الدعوة إلى إدراك ان النهضة يصنعها أمل يتحول إلى فكرة ثم إلى هدف ثم إلى واقع ملموس ينتج عنه أمة إسلامية موحدة وحكم مسلم رشيد يقضي على الظلم والقهر، ويصنع تنمية إسلامية مستدامة تقضي على الفقر والعوز والفاقة ويولج العالم الإسلامي في ميدان السباق في ميادين العلوم والتكنولوجيا، والعمل على نشر الإسلام الوسطي السمح. وبعدُ ألا يستطيع العالم الإسلامي الاستجابة لتلك الدعوة الصادقة من خادم الحرمين الشريفين مع أن ذلك العالم يملك كل مفاتيح التفوق والارتقاء إلا الإرادة والتصميم الصادق واستعمال العقل بدلاً من العاطفة؟ نعم إنه يستطيع لو صلحت النوايا ووجد العزم لأنه يملك مفاتيح القوة والمنعة ولكنه لم يستغلها أو يدرك أهميتها ومن ذلك: * الموقع الجغرافي من أفضل المواقع الاستراتيجية على وجه الكرة الأرضية من حيث توسطه وتواصل امتداده وتحكمه بأهم أربعة مضائق مائية حيث يمر من خلالها (70٪) من تجارة النفط الخام و(40٪) من التجارة العالمية ناهيك عن تنوع مناخه ولجيوغرافيته واشتماله على سواحل متميزة وجزر استراتيجية وأنهار كبرى فهو سرّة العالم وملتقى مصالحه. * تواجُد ثروات طبيعية ضخمة في أغلب دوله حيث يحتوي العالم الإسلامي على (70٪) من احتياطيات النفط العالمية و(30٪) من احتياطيات الغاز بالاضافة إلى الوفرة المائية والأراضي الزراعية في كثير من دوله ناهيك عن احتوائه على مناجم القصدير والكروم والمنجنيز والحديد والذهب. * كثافة سكانية معتبرة تربو على (1.3) مليار مسلم ذات مستويات مختلفة من التعليم. * ثقافة إسلامية متقاربة تجمعها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. * يجمع العالم الإسلامي تاريخ مشترك وهموم وتطلعات متشابهة، ويحدوه شعور موحد نحو التكامل والوحدة والرقي في مدارج العزة والقوة والمنعة والكرامة. ليس هذا فحسب بل ان العالم الإسلامي يعيش هموماً وسلبيات متشابهة لعل من أهم تلك الهموم والسلبيات ما يلي: * هجمة صهيونية مبرمجة تسعى إلى عدم استقرار المنطقة وإعادة رسم خرائطها. * لازال الجهل والتخلف والاستبداد والمرض والفقر من مميزات كثير من شعوبه. * الدور الذي يقوم به العالم الإسلامي أقل بكثير مما يملكه من امكانات بشرية وثروات طبيعية وموقع استراتيجي ناهيك عن أنه يحمل فضائل وقيماً إنسانية بشر بها الإسلام. * غياب التكامل الاقتصادي والعلمي والثقافي والفكري والدفاعي والأمني بين دوله. * تقوقع كل دولة من دوله على نفسها خصوصاً تجاه الدول الإسلامية الأخرى وانفتاحها على الدول الأخرى وخير شاهد على ذلك ميزان التبادل التجاري. * وعلى كثرة مؤتمرات القمة وكثرة قراراتها البناءة إلا أن الجميع مكانك سر حيث يظل كثير منها حبراً على ورق. * الضغوط الخارجية تلعب دوراً أساسياً في تباين المواقف وتعطيل الاتفاقيات وهذا يعني أن حضور بعض الزعماء لا يعدو أن يكون مجاملة وتسجيل حضور، وليس صدق توجه. * بروز الطائفية والمذهبية والعرقية والخلافات الحدودية والنزعات الاستقلالية بتشجيع من قوى داخلية وخارجية من أهم عوائق تخلفه. وعلى العموم فإن القمة الاستثنائية الرابعة مندوبة إلى وضع النقاط على الحروف من خلال التخلص من السلبيات وتفعيل الايجابيات، ذلك أن اختلاف اللغات والثقافات والأعراق لم يقف عائقاً أمام قيام الاتحاد الأوروبي، وهو الذي نفض غبار حربين عالميتين بين دوله بالاضافة إلى ان له تاريخاً مريراً في قضايا الحروب والاقتتال والاختلاف. فما بالك بالعالم الإسلامي الذي يحظى بجذور روحانية وتاريخية وثقافية متشابهة أو متقاربة ما يعزز فرص التعاون والتكامل والدفاع المشترك.. ومن هذه المنطلقات فإن الجميع يأمل أن يستطيع المؤتمرون نزع فتيل التأزم، وحقن دماء الشعب السوري الشجاع وذلك تمهيداً لبزوغ فجر مشرق عزيز لهذه الأمة. كلل الله جهود الملك عبدالله وقادة دول العالم الإسلامي بالنجاح والتوفيق والسداد. والله المستعان..