في كل يوم تتضمن نشرات الأخبار بعض الممارسات المخالفة للدين أو للنظام، وفي كل يوم نقرأ ونسمع في برامج التوعية ما يحث على السلوك الحسن والانضباط، والقيام بالمسؤوليات بطريقة تتسم بالجودة والالتزام بأخلاقيات العمل. ولكن نشرات الأخبار تصدمنا بالاعتداء على الأطفال، وبالمفحطين بالسيارات، وبالمفحطين بالأفكار وبالسرقات المادية والفكرية وبالأخطاء الطبية... إلخ. لماذا تستمر المخالفات رغم استنكار المجتمع، والخطاب التوعوي القوي، والكتابات التي تنتقدها وتطالب بتطبيق القانون؟ لنأخذ قضية التفحيط مثلاً ونسأل لماذا تستمر رغم ما تسببه من أضرار في الأرواح والممتلكات؟ ماهو العقاب الذي يطبق على المفحط؟ ما هو تأثير برامج التوعية؟ من الذي يتقبل هذه البرامج من المفحطين؟ الواقع يقول إن ظاهرة التفحيط لاتزال مستمرة وإذا كان من المهم استمرار حملات التوعية فإن الأهم هو أن يصاحب ذلك نظام رادع للمفحطين.. إن المفحط لا يختلف عن شخص طائش يحمل سلاحاً يهدد به في جمع من الناس ويفعل ذلك كهواية يستمتع بها ويتفاخر ويعرض نفسه والآخرين للخطر ثم يكرر ذلك السلوك إلى أن تقع المأسآة. أما التفحيط بالأفكار فينتمي إليه فئة من الناس تبحث عن موقع لها في أي حدث داخلي أو خارجي إلى حد (اللقافة) وهي لقافة تجعل هذا الملقوف هو الحدث، وهو البطل، وهو المنقذ. وإذا كان هذا (البطل) هو ممن ينتظر منه الناس التوعية، والسلوك (القدوة) فكيف تجدي معه التوعية؟ كيف يكون قدوة من يتسرع بإصدار الأحكام ويجعلها أحكاماً قاطعة؟ كيف يكون قدوة وهو يوزع الاتهامات على الآخرين؟ كيف يكون قدوة وهو لا يلتزم بأدب الحوار؟ يفعل كل ذلك ويجد من يصفق له، تماماً مثلما يحدث في مشهد التفحيط بالسيارات! هناك من يصنف الخروج على النص بأنه يدخل في باب الإبداع، وهذا صحيح عندما يؤدي ذلك الخروج الى الإضافات العلمية أو الفكرية، وعندما يقدم خدمة للبشرية في أي مجال. أما في حالة المفحط بالسيارة أو المفحط بالأفكار فالخروج هنا هو خروج على القانون وهو لا يدخل في باب الإبداع ولا باب الحرية كونه يتضمن إيذاء الآخرين في كلا الحالتين من التفحيط، والمفحط الفكري لا يقل خطراً عن المفحط بالسيارة وقد يكون أخطر علي المدى البعيد. فلنسأل إذن: كيف يستطيع المفحط فكرياً توجيه المفحط بسيارته وإقناعه بترك هذا السلوك الضار بنفسه وبالمجتمع، كيف يستطيع ذلك وهو نفسه يمارس سلوكاً يحتاج إلى ضبط وتوجيه وموضوعية حتى يليق المقام بالمقام؟ القدوة (في الفكرة والقيم الأخلاقية، والممارسات) هي الأقوى تأثيراً من الخطابات، والمحاضرات والتواجد اللاهث وراء كل حدث، وإطلاق التعليقات والتغريدات بمناسبة وبدون مناسبة. السلوك (القدوة) يمنع صاحبه من التفحيط بالأفكار لمجرد أن يكون في الصورة.