هذه الايام كثر الحديث بأن الولاياتالمتحدةالامريكية ستسغني عن النفط السعودي، نتيجة لاعتمادها على تكنولوجيات الحفر الافقي والتكسير لاستخراج الحجر النفطي غير التقليدي وكذلك استيرادها لنفط كندا اكبر مصدر لها، والتي ايضا تمتلك كميات كبيرة من الزيت الرملي. فهل فعلا استخراج الحجر النفطي في الولاياتالمتحدة سيجعل نفط السعودية يفقد أهميته؟ وهل الحجر النفطي هو مستقبل الطاقة؟. لكي نفهم الموضوع علينا ان نفرّق بين مصطلح الحجر النفطي "shale oil" الذي يختلف عن مصطلح النفط الصخري "oil shale" ، حيث إن النفط الصخري لا يحتوي على نفط، وإنما عبارة عن صخر يمكن أن يصنع النفط من مركباته العضوية في نهاية المطاف وبتكلفه عالية. وغالباً ما يستبدل مصطلح الحجري النفطي بالنفط المحكم "tight oil"، للإشارة إلى التشكيلات الحجرية التي تحتوي على النفط والتي في بعض الأحيان قد تكون حجراً فقط. يتركز انتاج الولاياتالمتحدة من النفط المحكم في منطقة بكين Bakken التي تمتد من ولاية جنوب داكوتا الى ساسكاتشوان، حيث زاد انتاجها بشكل سريع الى درجة ان البعض اعتبرها ثورة في الطاقة العالمية، ومازال هناك إمكانية وجود اكثر من 20 تشكيلة من النفط المحكم في "فورد ايجل" و 20 مكاناً آخر. حاليا تنتج من النفط المحكم 700 الف برميل يوميا وقدرت دراسة جديدة أجراها (مركز بيلفر في هارفارد) بواسطة (ليوناردو ماوجيري) ان انتاج حقول النفط المحكم في الولاياتالمتحدة يمكن أن يصل إلى 3.50 ملايين برميل يوميا بحلول 2020، مما يرفع إجمالي إنتاجها إلى 11.60 مليون برميل يوميا، ويضعها ثاني منتج بعد السعودية . ويعتقد البعض ان ذلك سيعطي أمريكا الشمالية استقلاها في مجال الطاقة، مما سيغير من سياسة الولاياتالمتحدة الخارجية الجديدة اتجاه الشرق الأوسط بعد ان اصبحت اقل دعما لأنواع الوقود البديلة. لكن كلما فهمنا طبيعة النفط المحكم سندرك انه قصير العمر فلا يزيد عمره عن بضع سنوات، حيث يتقلص انتاج البئر 50% تقريبا في اول سنة ثم 15% لكل سنة، ما يتطلب التكسير الجديد المستمر من آبار جديدة. علما ان شركات الحفر لن تحقق ارباحا اذا ما انخفضت اسعار النفط دون 70 دولاراً. وهذا ما أكده "ماوجيري" في ورقة بعنوان ( النفط: الثورة القادمة )، بأن مكامن النفط المحكم غير مربحة عند أسعار ما بين 50 و60 دولاراً للبرميل أي ان تكلفته مرتفعة. كما ان التطور التكنولوجي سيعطي اسعار النفط مرونة كبيرة نتيحة لتقليص التكاليف، مما سيحول النفط مرتفع القيمة حاليا الى نفط رخيص القيمة في المستقبل وهذا يهدد مستقبل الحجر النفطي ويجعلنا نشكك في استمراره كطاقة عالمية رغم الاستمرار في انتاجه ومن الصعب نقل تجربة أمريكا بسهولة الى امكان آخر. لذا لن يفقد النفط السعودي اهميته ولن تفقد السعودية حصتها السوقيه في اسواق النفط العالمية وخاصة في الاسواق الآسيوية التي يوجد بها الصين اكبر مستهلك لنفطها. كما ان السعودية شريكة في مصفاة "بورت آرثر"، مع شركة شل التي ستستخدم النفط السعودي مما يحقق لها حصة اضافية في السوق الامريكي. ناهيك عن الميزة النسبية التي يتمتع بها انتاج النفط السعودي وبطاقة انتاجية تصل الى 12.5 مليون برميل يوميا وهي اكبر طاقة انتاجية في العالم. وكما نعرف ان سياسة السعودية السعرية ان يبقى السعر في ما بين 75 الى 100 دولار مع تغير العوامل الاساسية لأسواق النفط وكذلك العوامل السياسية. لذا تستطيع التأثر على الاسعار العالمية من خلال مرونة عرضها كما هو حاصل هذه الايام بعد الحظر على النفط الايراني. وعلينا ندرك ان النفط يسعر بالدولار فلا يعني استغناء امريكا عن نفط السعودية جزئيا ان انتاجنا لا يؤثر على الاسعار داخل امريكا بل سيؤثر هبوطا وصعودا. *عضو جمعية اقتصاديات الطاقة الدولية * عضو الجمعية المالية الأمريكية