كتب البعض منتقدا وصف الإعلام الأمريكي لجونز هولمز مرتكب مجزرة "باتمان" داخل إحدى قاعات السينما في ولاية أكولاهوما بالمجنون أو المجرم وليس "الإرهابي" كما يعتقدون أنه الوصف المناسب. يأتي نقدهم هذا في سياق الحديث عن المظلومية التي تقع على المسلمين الذين يوصفون ب"الإرهابيين" مع كل جريمة يرتكبها أحدهم! أو مجموعة منهم في الوقت التي تمنع هذه التسمية عن غيرهم؛ مثل هذا الموقف يتكرر بشكل مستمر وتقرأه في الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، وهو في الحقيقة غير صحيح؛ بحسب التقارير الإخبارية فإن جيمس هولمز الذي قام بهذه المجزرة الفظيعة يعاني من اختلالات نفسية وعصبية وهي التي فيما يبدو دفعته للقيام بفعلته (التحقيقات ما زالت في بدايتها). رغم فظاعة ما حدث إلا أنه يحدث في كل مكان لأسباب نفسية أو اجتماعية ولا يوصف من يقوم بمثل هذا الوصف ب"الإرهابي" بل ب"القاتل" أو"المختل" أو أي تسمية أخرى.. فلو أن شخصا في أي بلد عربي أو مسلم قام بذات الأمر فلن يجوز أيضا وصفه ب"الإرهابي" ولكن بالشخص الذي ارتكب جريمته بسبب اختلالات واضطرابات معينة دفعته لارتكاب مثل هذه الجريمة. من القصص المؤثرة التي حدثت مؤخرا في كندا هي قيام مواطن باكستاني الأصل اسمه محمد شافعي بقتل بناته الثلاث وزوجته الأولى بسبب شكوكه في سلوكهن! فماذا يمكن أن تسمي هذا الرجل؟ يمكن وصفه ب"الأحمق" و"المعتوه" و"المجرم" و"عديم الضمير" ولكن وصف "الإرهابي" لا ينطبق عليه، تماما كما يمكن أن نقول عن هولمز؛ الإرهاب ينطلق من ايديولوجية دينية متطرفة تحرض على الكراهية والعداء وتدفع معتنقيها لقتل الآخرين المختلفين في الدين أو الطائفة أو الرأي، شاهدنا ذلك بين معتنقي أديان عديدة وليست فقط بين المسلمين.. مثلا النرويجي أندريس بيرنج بريفيك الذي ارتكب المجزرة الشهيرة في إحدى الجزر النيرويجية انطلق من منطلقات دينية متطرفة لذا يصح وصفه بالإرهابي؛ وبالتأكيد المنتمون للقاعدة هم إرهابيون لأنهم ينطلقون من منطلقات العدائية والكراهية ذاتها، في هذه النقطة تحديدا يطرح تساؤل متكرر: لماذا إذا يتم التركيز فقط على المسلمين؟ الجواب الواضح هو أن الإرهاب شاع وتفشى بين المتطرفين المسلمين أكثر من غيرهم؛ يكفي أن نعرف أن أكبر تنظيم إرهابي عرفه العالم في العقود الأخيرة هو تنظيم القاعدة الذي لا يقبل في عضويته إلا المسلمين المتطرفين، لو أن المتطرفين المسيحيين مثل النيرويجي بريفيك أسسوا تنظيمات إرهابية مثل القاعدة وقاموا بقتل المسلمين واليهود وغيرهم فإن الإعلام سيسلط الضوء عليهم أكثر من غيرهم ولكن هذا كما نعرف! لا يحدث لأسباب متعددة أبرزها الإصلاحات الدينية والثورات العلمية والفلسفية التي حدثت في أوروبا؛ في الواقع يجب أن يغضب المسلمون أكثر من غيرهم من ترديد مثل هذا الخلط مع كل جريمة تقع، أولاً لأن دينهم هو من تعرض للتشويه من قبل المتطرفين الإرهابيين، وثانياً لأنهم - أيضا - هم أكثر ضحايا هذا التطرف والإرهاب، وثالثاً لأنهم المهددون به حاضرا ومستقبلا، فالإرهابيون قتلوا من المسلمين أكثر من أتباع أي دين آخر! والواضح في هذا الموضوع أنه مفيد لنا أكثر بكثير من غيرنا.. فلماذا إذا يحاول البعض خلط الأوراق مع بعضها؟ هناك من يردد مثل هذه الشكاوى التي تأتي كتعبير عن الخطاب الثقافي المعروف في العالم العربي عن ظلم الغرب للعرب والمسلمين؛ وهناك فئة تردد ذلك لمحاولة فقط دغدغة الشارع التي تحركه مثل هذه المواقف الشعوبية وبهدف اكتساب الجماهيرية؛ ولكن هناك فئة تتعمد فعلا إحداث الضجيج حول المسمى لمحاولة تضييع معالمه تماما وإدخاله تحت قائمة أمراض العصاب والاضطراب في محاولة مكشوفة للتعمية عن السبب الرئيسي للإرهاب وهي الثقافة المتطرفة التي تحتضنه وتشرع له؛ وهذا حدث أيام التفجيرات الإرهابية في السعودية عندما قام البعض بوصف الإرهابيين بالمجرمين، وكل هذه التسميات بالطبع مغلوطة لأن المجتمع به كثير من المرضى النفسيين الذين لم ينحروا الآخرين، كما أن المجرمين والسارقين لا يرتكبون أعمالهم معتقدين أنهم يتقربون بها إلى الله؛ ولكن هذا ما يفعله الإرهابيون الذين يعتقدون أن عقيدتهم الدينية هي التي تدفعهم لارتكاب المجازر التي يعتقدون أنها ستدخلهم النعيم وتتحقق لهم رضا الله. الآن نفس الشيء يعاد تكراره مع حادثة هولمز وسيقولون ذات الأمر لو ارتكبت المجزرة في أي مكان آخر؛ هي فقط محاولة لخلط الأوراق والتعمية في قضية نحن أكثر من غيرنا يجب أن نحرص على وضوحها.