إن من ميزة شريعتنا الغراء أن سنت الأحكام التي تحفظ النوع البشري من خلال حفظ ما يعرف بالكليات الخمس التي تشمل الدين والنفس والعقل والعرض والمال. وإذا كانت الخمر هي أم الخبائث لما تلحقه من فساد بالعقل وما يستتبع ذلك من أضرار أخرى فإن المخدرات تعد أخبث الخبائث لما يترتب على تعاطيها من أضرار مادية وصحية ودينية وفكرية واجتماعية تزيد كثيرا على الأضرار المترتبة على الخمر، وقد أثبتت الدراسات المتنوعة أن ضرر المخدرات لا يقتصر على العقل الذي ميز الله به الإنسان عن سائر مخلوقاته فحسب بل يمتد لينال بقية الكليات التي جاءت أحكام الشريعة بحفظها فهي تدمر العقل، وتفتك بالبدن وتهدد الصحة العامة من خلال نشر العدوى بمرض نقص المناعة المكتسبة المعروف بالإيدز وغيره من الأمراض المعدية الأخرى، إضافة إلى ما يشكله إنتاج المواد المخدرة من خطر على البيئة من خلال استخدام المواد الكيميائية السامة والتي يتم التخلص منها بطريقة عشوائية على اليابسة وفي الأنهر ونحو ذلك، أما ضررها على المال فيتمثل على مستوى الأفراد في إضاعة المال؛ حيث ينفق الإنسان ماله فيما يضره ويضر غيره، وأما على مستوى الدولة فيتمثل فيما يلحقه الاتجار بالمواد المخدرة من ضرر بالغ بالنمو الاقتصادي للدولة، ومن ضررها على الدين أنها تبعد المسلم عن ذكر الله وعن الصلاة و غيرها من العبادات، بل إن الواقع يشهد أنه لا يقع في شرك المخدرات إلا من كان ضعيف الصلة بالله عز وجل حتى إذا تهافت في مستنقعها زادته بعدا عن الله وأصبح أسيرا لشهوته وللشيطان يحركه كيف شاء، وقد ثبت الربط الوثيق بين إدمان المخدرات والاتجاربها وبين كثير من جرائم القتل وانتهاك الأعراض والسرقة والاختطاف وغير ذلك من الجرائم، ولهذا كله لم يكن تحريم المخدرات محل خلاف بين فقهاء الأمة. وأضاف يقول: وانطلاقا من ذلك نجد حكومة المملكة قد سنت الأنظمة والعقوبات الرادعة لمحاربة شتى أنواع المخدرات ومنع ترويجها كالهروين والكوكايين والأفيون والحشيش ونحو ذلك واستفادت في ذلك من تجارب الدول الأخرى وسلكت كل السبل لمكافحتها. ولما ثبت أخيرا الارتباط الوثيق بين تجارة المخدرات وكثير من الجرائم الدولية وعلى رأسها الإرهاب الدولي وغسيل الأموال وتهريب الأسلحة والتجارة بأعراض النساء استوجب ذلك التعاون بين دول العالم جميعا للقضاء على هذا السرطان الذي أصبح يفتك بالإنسان في كل مكان ولا يقف عند حدود دولة معينة إذ لا توجد أي دولة أو منطقة في العالم لم ينلها تأثيره، وسواء تمثل هذا التعاون في صورة تسليم المجرمين المتهمين في تجارة المخدرات والجرائم المرتبطة بها، أو تبادل المعلومات الخاصة بشبكات هذه التجارة وما يرتبط بها من الشبكات الإرهابية، أو تبادل الخبرات في مجال مكافحة هذه التجارة والجرائم المرتبطة بها نحو ذلك، وشأن المملكة في التعاون للقضاء على هذه الآفة وما يرتبط بها من الجرائم شأن غيرها من دول العالم، بل تعتبر المملكة في طليعة الدول في هذا المجال انطلاقا من تعاليم دين الإسلام القويم وما أوجبه الله تعالى على المسلمين من التعاون على كل ما هو بر يحقق المصلحة للإنسان ويبعد الضرر عنه قال تعالى في محكم تنزيله: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان}. (المائدة 2). وإن ما ينبغي أن تهتم به الأجهزة المعنية وسائل الوقاية من هذه الأدواء الفتاكة. ومن أهمها التوعية الدينية والتحذير من رفقة السوء ودعم المعارض المتنقلة التي تعرض رحلة الضياع مع المخدرات وتصور للشباب النهايات السيئة للمدمنين وتفتح أبواب التوبة وتعرض وسائلها المعينة ويتمكن بواسطتها الشباب من الاتصال بنماذج حسنة من المتعافين الذين ذاقوا ويلات المخدرات ثم أعانهم الله على تركها والخلاص منها. وأشار إلى أنه على الرغم مما حققته دول العالم أخيرا من تقدم كبير في مكافحة المخدرات والجرائم المرتبطة بها إلا أن الطريق أمامها لا يزال طويلا، فيحب أن تضاعف الدول جهودها لمواجهة التحدي الذي يشكله الاتجار بالخدرات والجرائم المرتبطة بذلك، وإلى جانب ما تقدم ذكره من سبل التعاون يحسن أن يتسع نطاق التعاون بين الدول ليشمل مساعدة الدول التي تكثر فيها زراعة المخدرات أو صناعة المواد المخدرة للتخلص من ذلك بإيجاد مصادر دخل بديلة؛ والشيء نفسه يقال على النطاق الداخلي فيجب أن تكثف الدول جهدها في احتواء الشباب والشاردين من شعبها وإيجاد وظائف تعينهم في التغلب على خطر الانخراط في الإدمان وذلك لأن تدمير مزارع المخدرات وإغلاق معامل تصنيع المواد المخدرة ومصادرة الأدوات المستخدمة في ذلك وقطع طرق الاتجار بها وسن عقوبات صارمة ونحو ذلك سيؤثر بشكل واضح في مكافحة المخدرات ولكنه قد لا يكون كافيا في استئصال المشكلة من جذورها ما لم تكن هناك بدائل مطروحة. وإن تكاتف الدول جميعا في مساعدة الدول التي اشتهرت بزراعة المخدرات أو صناعة المواد المخدرة للتغلب على هذه المشكلة هو في نهاية المطاف مساعدة لنفسها؛ لأنها بذلك تساهم في إيقاف خطر عام يستهدف زعزعة كيانها وإفساد شبابها. *عضو هيئه كبار العلماء