(نحن لسنا بصينيين) هذه الجملة المحملة بالازدراء يوجهها تجار العالم إلى صدر التنين الصيني الذي يحاول أن يلتقم العالم , وهي محاولة رفع السدود وزرع الألغام في طريق الحرير والسلع التي غزت الأرض جميعها، لكن عبثاً كل هذه التدابير فالبضاعة الصينية ( يأجوج مأجوج ) والتي لو رفعنا حجرا في قلب الصحراء لوجدنا تحته بضاعة صينية. في عواصم العالم يرفعون هذه الجملة على واجهات المحلات والدكاكين، يسطرونها وكأنهم يتبرأون من وصمة عار أو وباء يكتسح العالم ولايستطيع أحد أن ينجو منه. هل هو الزمن الصيني ؟ ما أبرز ملامحه داخل واحدة من اعرق الحضارات التي عرفتها البشرية ؟ والتي لطالما كانت نائية بعيدة مكتفية بمشاكلها وكوارثها الداخلية , حتى نابليون القائد الجائع دوما لقضمة أرض جديدة , لم يقترب من الصين وقال (دعوا المارد الصيني نائما) فهل كان يحدس بأن المارد إذا استيقظ سيلتهم العالم . هذا الجسد الهائل ظل نائما وتعاليم (ماوتسي تونغ) تمرر له أفيون عبادة الفرد والخضوع له, ولكنه حينما استيقظ تحرك بحرص وحذر وخطواته كانت مدروسة في وحل الاقتصاد العالمي, وعندما انتقل من الاقتصاد الشيوعي ودخل غرفة التجارة العالمية دخلها بمهارة وحذق, ولم يكن عشوائيا متسرعا ليهوي ويتفكك إلى ألف ولاية وولاية كما حدث في الاتحاد السوفياتي. في رواية البجعات الثلاث للروائية الصينية (يونغ تشانغ), تتحدث عن ثلاثة أجيال لسيدات صينيات، كانت الأولى هي محظية (جارية ) في قصر إقطاعي توضع قدماها في أحذية الحديد حتى تبقى قدميْ طفلة، والابنة كابدت عصر (ماوتسي تونغ) بينما الحفيدة هي التي استطاعت أن تمتلك خيارات وتحقق ذاتها بصورة أكبر وتنفتح على قدراتها كما انفتحت الصين على العالم .. ولكن هل الصين هي التي مررت لنا الهشاشة وغياب الجودة وداء الاستهلاك ومحلات أبو ريالين؟ أم أنها هي التي مررت لنا أسلحة متطورة تستطيع أن تصنع لنا حدودا آمنة في المنطقة ؟ تظل الصين اللغز التي لانستطيع أن نؤطرها, لانستطيع أن نحبها وحتى نكرهها, على الرغم من كل فيتو تلطم به وجه العالم العربي في مجلس الأمن الآن. الغرب القوي المتعجرف يلوح بقضايا البيئة كذريعته المعتادة ضد اعدائه ومنافسيه لتمرير ملفاته السياسية الساعية إلى الهيمنة والسيطرة العالمية , أيضا يرفع الغرب قوانين الجودة ومقاييسها في وجه المنتج الصيني , فهم وإن كانت التجارة العالمية تجعلهم لايستطيعون ايقافه , ولكن بإمكان المواصفات والمقاييس والجودة، أن تحجب البضاعة الصينية عن أسواق الغرب. جميع هذا وسط بث إعلامي مكثف ضد البضاعة الصينية تحت شعار (نحن لسنا بصينيين). درب الحرير الصيني ترفع به السدود وتزرع الألغام , ولكن التنين الصيني الماكر لايستسلم ويناور ويعرف تماما موقع الكتف التي سينهشها , بينما نحن كشعوب ضعيفة مستباحة , لانملك إلا أن نتأمل هذه الحرب الشرسة الهائلة التي فوق رؤوسنا أو داخل أرض المعركة التي انتقلت إلى ردهات البنوك وصالات البورصة بعجزٍ وغياب للقرار الفاعل. عبثاً يحاول العالم أن يتحصن ضد المنتج الصيني لكن كلما رفعنا حجرا في صحراء نائية فحتما سنجد تحتها منتجاً صينياً.