كل عام و كافة المسلمين بخير في كافة أنحاء العالم ، و أن يُعيد الله هذا الشهر الفضيل في الأعوام المقبلة على الجميع باليمن والبركات، شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن الكريم على رسول الله صلى الله عليه وسلّم. في هذا الشهر فُرض الصيام على المسلم العاقل البالغ ، أن يصوم المسلم والمسلمة من الفجر حتى مغرب اليوم. هناك أشخاص لا يجب عليهم الصيام مثل صغير السن ، المسافر ، المريض الذي لا يستطيع أن يصوم بسبب مرضه ، فيصوم ويقضي إذا كان مريضاً بمرضٍ يُرجى الشفاء منه ، ويتصّدق عن كل يوم إذا كان مريضاً بمرض لا يُرجئ الشفاء منه. من الأمراض التي تُسقط واجب الصيام بعض الأمراض النفسية والعقلية ؛ فثمة أمراض نفسية مثل الفُصام أو الاضطراب الوجداني ثُنائي القطب يصعُب على الشخص المصاب بمثل هذه الأمراض أن يصوم رمضان ، وللأسف كثير ما يتساءل الأهل عن صيام مرضى الفُصام أو مرضى الاضطراب الوجداني الذين يكونون المريض فيه مضطرباً إما بنوبة هوس أو نوبة اكتئاب شديدة ، وهؤلاء المرضى يسقط عنهم الصيام. و للأسف هناك جهل كبير عن الأمراض النفسية ، فكثير من الأهالي يسألون دائماً عن صلاة أقاربهم مرضى الفُصام ، وهؤلاء لا تجب عليهم الصلاة لأنهم مرضى ، وكما هو معروف وليس على المريض حرج ، فمريض الفُصام لا تجب عليه الصلاة أو الصيام. لكن كما ذكرت نظراً للجهل بهذه الأمراض النفسية المؤثرة فإن الأهل يرون أنه من العيب أو من غير المقبول ألا يصوم مريض الفُصام ، خاصةً إذا كان يبدو للأهل بأنه صحيح بدنياً فلذلك يُجبرونه على الصيام ، ويغضبون عليه إذا أفطر ، خاصةً أن مرضى الفُصام لا يستطيعون في أغلب الأحوال أن يستغنوا عن التدخين و شرب الشاي. و كذلك مرضى الاضطراب الوجداني ثُنائي القطب الذين يكونون في نوبات حادة. هناك أشخاص لا يجب عليهم الصيام نحن نتكلّم عن الأمراض النفسية الصعبة ، وكيفية أن المرضى بهذه الأنواع من الأمراض لا يستطيعون أن يقوموا بأداء بعض العبادات ، مثل الصلاة و الصوم و أيضاً الحج. كما ذكرتُ في بداية المقال بأن كثيراً من الأهل لا يستوعبون بأن المرضى النفسيون لا يستطيعون أن يواظبوا على الصلاة ، ويظل الأهل يُلحّون على المريض الفُصامي أو المصاب بالاضطراب الوجداني ثُنائي القطب بأن يُصلي و كذلك يطلبون منه الصلاة مع الجماعة في المسجد ، وهذا ليس أمراً صحيحاً ، لأن بعض المرضى قد يتصرّفون و يقومون بسلوكيات غير مقبولة في المساجد. أما من ناحية الصيام فكثير من المرضى النفسيين لا يستطيعون أن يصوموا شهر رمضان الكريم ، لذلك لا يجب إلزامهم بصيام هذا الشهر الكريم ، و يجب عدم الخجل من أن قريبنا الرجل أو المرأة الناضجة لا تصوم رمضان بسبب مرضها النفسي. يجب ترتيب تناول الأدوية مع الطبيب المشكلة الأخرى وهي الأدوية النفسية واستخدامها في رمضان، لمن يصوم هذا الشهر من المرضى المصابين بأمراض بسيطة يستطيع معها المريض الصوم. هناك أدوية مثلاً مضادة للاكتئاب تؤخذ في المساء خلال الأيام العادية، ولكن في رمضان لايصلُح أن تؤخذ في المساء مبكراً، كما هو الأمر في الأيام العادية ، لأن مثل هذه الأدوية قد تُسبّب النعُاس في بداية المساء وهذا أمر قد لا يكون مُستحباً في شهر رمضان ، لذلك يجب أن يُؤخر أخذ هذه الأدوية التي تُسبّب النُعاس إلى وقتٍ متأخر قبل النوم ، حسب نوم الشخص الذي يتناول هذه الأدوية ، وكذلك هناك أدوية مضادة للاكتئاب تُنشّط لذلك يجب أخذها بعد الفطور مباشرةَ حتى لا تقود إلى الأرق و تُحدث أضطراباً في النوم. بعض الأدوية المضادة للاكتئاب تسبب جفاف في الحلق وهذا يؤدي إلى صعوبة في الصيام بسبب الجفاف الشديد، لذلك إذا لم يستطع المريض الذي يتناول مثل هذه الأدوية أن يفطر و يقضي بعد إيقاف هذه الأدوية لأن استخدام مثل هذه الأدوية يكون لوقتٍ مؤقت ، لذلك بعد إيقاف العلاج يجب على المريض الذي أفطر بسبب الأعراض الجانبية لهذه الأدوية أن يقضي ما أفطره ، إلا إذا كان المريض من المرضى المزمنين ، عندئذ يتصّدق عن كل يوم أفطره ، حسب رأي الطبيب على أن يكون الطبيب مسلماً ، ثقة في علمه الطبي و الديني. الأدوية النفسية تركها يضر بالمريض ثمة أدوية لا يصلح أن يتناولها المريض وهو صائم لأن الجفاف الذي تُحدثه هذه الأدوية قد يُسبّب مشاكل في الكلى تصل إلى الفشل الكلوي الحاد ، مثل دواء الليثيوم و الذي يُستخدم كمُثبت للمزاج ، وللأسف مرّ عليّ أكثر من شخص كباراً في السن عانوا من الفشل الكلوي نتيجة الصيام وهم يستخدمون دواء الليثيوم ، وهو دواء فعاّل لعلاج الااضطراب الوجداني ثُنائي القطب ولكن يجب أخذه بحذر وعمل فحوصات لمستوى هذا الدواء في الدم ، لأن زيادة مستوى هذا العلاج في الدم قد يكون ضاراً للجسم و يؤثر على الكلى، وكذلك على الغدة الدرقية حيث يُحدث اضطراباً في عمل الغدة الدرقية ، مما يُسبّب نقصاُ في إفراز مادة الثيروكسين وهي مادة ضرورية لعملية الأيض في الجسم ، كما أن نقص مستوى هذا العلاج لا يُفيد في علاج المرض الذي تُستخدم من أجله. هناك أدوية مضادة للذُهان تؤخذ عن طريق الحقن كل أسبوعين أو ثلاثة أسابيع أو أربعة أسابيع ، وهذه الأدوية تُسبب الخمول ، فقد لا يستطيع الشخص الذي يتناولها أن يستيقظ خلال النهار ، وبذلك لا يستطيع الصيام لأنه بحاجة للطعام ليتقوى جسده و يُصبح قادراً على ممارسة حياته بشكلٍ طبيعي و لا يًصبح ضعيفاً خائر القوى. الأدوية الآخرى المضادة للذُهان يمكن للمريض أن يصوم إذا كان يستخدم هذه الأدوية لأمراض غير الفُصام أو الاضطراب الوجداني ثُنائي القطب. فالأدوية المضادة للذُهان التي تؤخذ عن طريق الفم ، التي تستخدم لبعض الأمراض النفسية ، مثل الاكتئاب أو القلق ، والتي عادةً ما تكون بجرعات صغيرة وليست جرعات عالية كما هو الحال في علاج الفُصام أو الاضطراب الوجداني ثُنائي القطب. هناك أمراض نفسية ليست شديدة ، لكنها في بعض الأحيان يكون صعباً على المريض بهذه الاضطرابات أن يصوم ، نظراً لأنه بحاجة لأن يتناول الأدوية خلال أوقاتاً قصيرة ، كما هو الحال في اضطراب الهلع (الذُعار) ، فهذا الاضطراب قد يكون شديداً في بعض الاوقات ، بحيث يُعيق الشخص من أداء حياته بصورة طبيعية و يحتاج إلى أن يأخذ دواء أو أكثر لعلاج نوبات الهلع الشديدة ، وغالباً ما تكون العلاجات التي يستخدمها هي من الأدوية المهدئة و كذلك الأدوية المضادة للاكتئاب ، لذلك لا يجب على الشخص الذي يُعاني من هذا الاضطراب الصيام عندما يكون يُعاني من نوبة هلع شديدة. وقد كان لديّ مريض يُعاني من اضطراب هلع شديد منعه من عمل أمور كثيرة من الأشياء الحيوية و التي يحتاجها المرء في حياته اليومية ؛ فهو لا يستطيع أن يذهب إلى أي مكان إلا إذا تناول أدوية معُينة تساعده على أن يقوم بهذه الأفعال. و يواجه مشكلة كبيرة في الصوم ، لأنه لا يستطيع أن يخرج من المنزل إلى عمله أو إلى أي مكان إلا إذا استخدم هذه الأدوية ، لذلك يمكن لمثل هذا الشخص أن يفطر عندما يكون تحت وطأة نوبة هلع شديدة ، وأن يقوم بقضاء الأيام التي أفطرها في الأيام الآخرى إذا تحسّن حاله و أصبح قادراً على أن يصوم. من الاضطرابات التي أيضاً قد تكون صعبة على المرء أن يصوم ، هم الأشخاص الذين يُعانون من اضطراب القلق العام ، فهذا الاضطراب قد يُسبب مشاكل بدنية ؛ حيث قد يُصاب المرء الذي يُعاني من هذا الاضطراب من الآم جسدية شديدة و كذلك قد يُصاب بوهن شديد لا يُساعده على الصيام و يكون ذلك لفترة وجيزة ، فيمكن لمثل هذا الشخص أن يفطر في الأيام التي يكون اضطراب القلق شديد عليه ، وبعد ذلك يقضي هذه الأيام ، لأن اضطراب القلق يمر بفترات متفاوتة من القوة ، فمرات يكون شديداً و مرات يخبو و يصبح بسيطاً فعندئذ يمكن له أن يقضي الأيام التي أفطرها عندما كان مريضاً بشكلٍ شديد. مرضى الاكتئاب أحياناً يكون صعباً عليهم أن يصوموا بسبب حالتهم النفسية ، خاصةً عندما يكون الاكتئاب شديداً و مصحوباً بأعراض ذُهانية ، ويتناول أدوية متعددة من الأدوية المضادة للاكتئاب وبعضها لا يساعد الشخص على الصيام نظراً للأعراض الجانيبة و التي ذكرنا بعضاً منها في مقدمة المقال. لكن للأسف فإن بعض المرضى النفسيين هم أنفسهم يرفضون أن يفطروا برغم أنه من الواجب عليهم أن يفطروا نظراً لأمراضهم التي يُعانون منها و لا تمكّنهم من الصيام لأن في ذلك ضرراً عليهم و الله تعالى يقول ولا تلقوا بأنفسكم للتهلكة ، و كذلك لا يُكلّف الله نفساً إلا وسعها. قبل أيام مرّت عليّ مريضة تُعاني من الاضطراب الوجداني ثنُائي القطب،وبالإضافة إلى هذا الاضطراب فهي تُعاني من مرض السكر تتعالج عن مرض السكر بالأنسولين و مع ذلك فمرض السكر غير منضبط عندها و تُعاني من اضطرابها الوجداني بشكلٍ شديد ومع ذلك رفضت أن تُفطر رمضان برغم أنها متقدمة في السن و بالإضافة إلى ارتفاع الكلسترول و الدهون الثلاثية ، وبرغم نصيحة أبنائها و أقاربها بأن تفطر لأن ذلك يضر بصحتها ، خاصةً أنها تستخدم دواء الليثيوم وهو العلاج الذي ذكرناه في بداية المقال بأنه لا يتناسب مع الصيام وقد يؤثر على الكلى عندها خاصةً و أنها تُعاني من أمراض خطيرة تؤثر على الكلى مثل مرض السكر و إرتفاع ضغط الدم وهذه الأمراض مجتمعة تؤثر بشكل كبير على الكلى. مثل هذه السيدة تُصّر على الصيام برغم ما يعود عليها من أخطار جسيمة من جراّء إصرارها على الصيام و أنا متأكد بأن صيام هذه السيدة المسنة والتي تستخدم أدوية كثيرة لأمراضها العضوية المزمنة و كذلك مرضها النفسي و الأدوية التي تتناولها لعلاج هذا المرض النفسي. عامة الناس ليس لديهم معرفة جيدة بالامراض النفسية ، لذلك ما أن يروا شخصاً بالغاً ويُفطر رمضان حتى ينتابهم الاشمئزار من إفطار هذا الرجل أو السيدة البالغة ،و إذا قيل لهم بأنه مريض نفسي ، فإنهم قد يستنكرون ذلك و ربما نصحوا المريض بأنه لو صام لربما شفاه الله من المرض النفسي ، وهذا كلام فيه الكثير من عدم الصحة و الجهل ، فالله هو الشافي من جميع الأمراض ؛ سواء أكانت أمراضاً عضوية أم نفسية، والأمراض النفسية قد تكون أشد وطأةً من المرض العضوي أحياناً ، لذلك يجب على الإنسان ألا يتحدّث إلا عن علم ومعرفة ، فبعض النصائج قد تقود إلى التهلكة ممن يجهلون الأمراض أياَ كانت الأمراض بجميع أنواعها ، خاصةً إذا كان غير متخصص فيما يتحدّث عنه. لقد فقدنا مرضى نفسيين بسبب نصائح من أشخاص يجهلون معنى المرض النفسي ، فمراتٍ ينصح أشخاص غير عارفين بالأمراض النفسية المرضى بالتوقف عن الأدوية و تناولها لأن الأدوية النفسية تقود إلى الإدمان وهذا أمر غير صحيح ، لأن الأدوية النفسية التي تقود إلى الإدمان هي أدوية قليلة ولا تُصرف إلا بوصفات مقننة وعليها تشديد كبير في صرفها خاصة في المملكة العربية السعودية وهذا أمر جيد حتى لا يقع كثير من الناس في الإدمان على الأدوية المهدئة ، لذلك ليس صحيحاً أن جميع الأدوية النفسية تقود إلى الإدمان. فليت كثيراً من عامة الناس الذين لا يفقهون في مجال الطب ألا يتحدّثوا إلا بما يعرفون ، حتى لا يضروا الآخرين بدلاً من نفعهم. أخيراً أريد أن أقول إن الله يُحب أن تؤتى رخصه التي شرعها للمرضى والذين لهم حق الإفطار و ألا يُلحقوا الأذى بأنفسهم ، فالله سبحانه وتعالى رحيم بعبادة ولا يُكلف الله نفساً إلا وسعها.