شهدت منطقة جنوب شرق آسيا، في السنوات الثلاث الأخيرة، واحدة من أكبر قفزات التسلّح والإنفاق العسكري في عموم آسيا، كما على صعيد عالمي. وهناك عوامل مختلفة دافعة باتجاه مسار التسلّح الجديد في الإقليم، منها الموجة الجديدة من التوترات التي يشهدها على خلفية الدعاوى السيادية في بحر الصين الجنوبي. ما يُمكن قوله خلاصة، هو أن منطقة جنوب شرق آسيا قد عادت لتشهد موجة عالية من التسلّح، تفوق تلك التي شهدتها في ذروة الحرب الباردة الدولية. ويحمل المسار الجديد للتسلّح بين طياته الكثير من المعاني والدلالات.. وتحتل منطقة جنوب شرق آسيا مركزاً محورياً في الجيوستراتيجيات الدولية المتنافسة. ويعود ذلك إلى أسباب عديدة، بينها موقعها الجغرافي، حيث تحتضن مضيق ملقا الذي يربط بين المحيطين الهندي والهادئ، كما تمثل همزة وصل بين آسيا والأقيانوس. وهي مركز التقاء لثلاث دول كبرى هي الهند والصين واليابان. كما أن الأمن القومي لدولة كبرى رابعة، هي أستراليا، لا يمكن مقاربته بمنأى عن الظروف السائدة في هذا الإقليم. على صعيد التكوين البنيوي للقوى في منطقة جنوب شرق آسيا، يُنظر إلى إندونيسيا تقليدياً باعتبارها الدولة المركزية في الإقليم. وتأتي بعد إندونيسيا كل من الفلبين، فيتنام، وتايلاند. بعد ذلك، تأتي دول الصف الثاني، وهي تبدأ بميانمار (بورما) وتنتهي ببروناي. وعلى الرغم من ذلك، فإن الهيكل العام للقوة الجيوسياسية الكلية للدولة ليس هو ذاته هيكلها العسكري، فهذا قد يتسق اتساقاً مختلفاً عن الأول. وقد لا يتوازى معه، أو لا يرتبط به بعلاقة طردية. هذا الأمر يبدو جلياً على صعيد المؤشرات العسكرية الأولية، كما على صعيد المستوى النوعي للأسلحة والقدرات الأمنية المتاحة. وبفعل مستويات عالية من الإنفاق العسكري، شهدت منطقة جنوب شرق آسيا، في السنوات العشر الأخيرة، ما يمكن اعتباره إعادة رسم جزئي لخارطة القوة في الإقليم، حيث قادت برامج التسلّح الحديثة والمكثفة إلى تراجع نسبي لدور المقومات البنيوية الأولى للقوة العسكرية. إن التكنولوجيا الحربية المتقدمة أضحت تلعب دوراً موازناً لميزات التفوق البشري والجغرافي. وباتت دول صغيرة في الإقليم تتمتع بميزات تنافسية تجاه الدول الأكبر، والأكثر قوة بمعيار الثقل الجيوبوليتيكي العام. ووفقاً لمؤشرات العام 2010، تمتلك فيتنام أكبر جيش (قوات برية) في جنوب شرق آسيا، بواقع 412 ألف جندي، تليها ميانمار بواقع 350 ألف جندي، إندونيسيا 233 ألفاً، تايلاند 190 ألفاً، الفلبين 80 ألفاً، ماليزيا 80 ألفاً، كمبوديا 75 ألفاً، سنغافورة 50 ألفاً، ولاوس 25.6 ألفاً. وحسب مؤشرات العام 2010، تمتلك تايلاند أكبر قوة جوية في الإقليم من حيث عدد القوات، بواقع 46 ألف عنصر، تليها فيتنام بواقع 30 ألف عنصر، إندونيسيا 24 ألفا، الفلبين 16 ألفا، ماليزيا 15 ألفا، سنغافورة 13.5 ألفا، لاوس 3.5 آلاف وكمبوديا 1.5 ألف. كذلك، تمتلك تايلاند أكبر قوة بحرية في الإقليم، بواقع 69.8 ألف عنصر، تليها إندونيسيا بواقع 45 ألف عنصر، الفلبين 24 ألفا، ماليزيا 14 ألفا، فيتنام 13 ألفا، سنغافورة 9 آلاف وكمبوديا 2.8 ألف. في المؤشرات الجديدة للإنفاق العسكري في جنوب شرق آسيا، بلغ هذا الإنفاق في سنغافورة 8.3 مليارات دولار عام 2011، صعوداً من 6.5 مليارات دولار عام 2001. وبلغت نسبة هذا إلى الناتج القومي الإجمالي 3.7% عام 2010. وفي إندونيسيا بلغ إجمالي الإنفاق العسكري 5.2 مليارات دولار عام 2011، صعوداً من 1.7 مليار دولار عام 2001. وبلغت نسبة الإنفاق العسكري إلى الناتج القومي الإجمالي 07% عام 2010. وفي تايلاند، بلغ إجمالي الإنفاق العسكري 5.1 مليارات دولار في العام 2011، صعوداً من 3 مليارات دولار عام 2001. وبلغت نسبة الإنفاق العسكري إلى الناتج القومي الإجمالي 1.5% عام 2010. وفي فيتنام، بلغ إجمالي الإنفاق العسكري 2.4 مليار دولار في العام 2011، صعوداً من 1.3 مليار دولار عام 2003. وبلغت نسبة الإنفاق العسكري إلى الناتج القومي الإجمالي 2.5% عام 2010. ويشير الإنفاق العسكري إلى الإنفاق الحكومي على القوات والأنشطة العسكرية، بما في ذلك الرواتب، والنفقات التشغيلية، ومشتريات الأسلحة والمعدات، والبناء والتشييد العسكري، والبحوث والتطوير، والإدارة المركزية، والقيادة والدعم. وليس هناك من طرق ووسائل مجمع عليها لحساب حجم الإنفاق العسكري للدول، وما هي طبيعة البنود التي يجب أن يشملها. وغالباً ما يكون هناك خلط بين الإنفاق الدفاعي العسكري، والإنفاق الأمني العام، الذي يشمل كذلك الإنفاق على قضايا الأمن الداخلي. وهناك بعض الدراسات التي تأخذ بالأمرين معاً، في حين تنأى غالبية المؤسسات البحثية عن فكرة الجمع هذه. على صعيد واردات دول الإقليم من الأسلحة والمعدات العسكرية، خلال الفترة بين 2008 – 2011، استوردت سنغافورة أسلحة ومعدات عسكرية بقيمة 4.7 مليارات دولار، منها نحو 2 مليار دولار حصة الطائرات العسكرية، وحوالي 1.6 مليار دولار للسفن الحربية. واستوردت إندونيسيا خلال الفترة ذاتها أسلحة ومعدات عسكرية بقيمة 1.1 مليار دولار، منها 417 مليون دولار حصة الطائرات العسكرية، و493 مليون دولار للسفن الحربية. واستوردت تايلاند أسلحة ومعدات عسكرية بقيمة 492 مليون دولار، منها 247 مليون دولار حصة الطائرات العسكرية، و103 ملايين دولار للصواريخ. واستوردت فيتنام أسلحة ومعدات عسكرية بقيمة حوالي 1.4 مليار دولار، منها 553 مليون دولار حصة الطائرات العسكرية، و526 مليون دولار للسفن الحربية. وعلى صعيد أبرز واردات الأسلحة في الإقليم خلال الفترة بين 2008 - 2011، استوردت سنغافورة من الولاياتالمتحدة، قاذفات (F-15SG) وطائرات قتال واستطلاع من طراز (G-550 AEW)، وطائرات تدريب خفيفة من طراز (Gulfstream-5)، ومروحيات من طراز (S-70B/SH-60B Seahawk)، وصواريخ (AIM-120C AMRAAM) لاستخدامها في قاذفات (F-15SG)، وقنابل هجوم مشترك (JDAM)، وقنابل موجهة (GBU-10) و (GBU-12)، وصواريخ موجهة من طراز (M-30 GMLRS). واستوردت سنغافورة من الدنمرك رادارات بحرية من طراز (SCANTER-2001)، واستوردت من فرنسا فرقاطات من طراز (La Fayette)، و صواريخ بحر – جو من طراز (ASTER-15 SAAM). واستوردت من ألمانيا دبابات من طراز (Leopard-2A4). واستوردت من إسرائيل صواريخ من طراز (Derby) و(Python-5)، ونظام دفاع أرض – جو متحرك من طراز (SPYDER-SR)، وطائرات بدون طيار من طراز (Heron). واستوردت من إيطاليا طائرات تدريب وقتال من طراز (M-346)، ومن السويد غواصات من طراز (Västergotland)، ومن سويسرا طائرات تدريب وقتال من طراز (PC-21). من ناحيتها، استوردت إندونيسيا من الولاياتالمتحدة مقاتلات متعددة المهام من طراز (F-16C)، ومروحيات من طراز (Bell-412). واستوردت من البرازيل طائرات قتال وتدريب من طراز (EMB-314 Super Tucano)، ومن الصين صواريخ مضادة للسفن من طراز (C-802/CSS-N-8)، وصواريخ محمولة مضادة للطائرات من طراز (QW-3). واستوردت من فرنسا رادارات جوية من طراز (Master) ومروحيات خفيفة من طراز (EC-120 Colibri). واستوردت من ألمانيا طائرات تدريب من طراز (G-120) ومروحيات خفيفة من طراز (Bo-105C). واستوردت من هولندا فرقاطات من طرازي (SIGMA-90) و (SIGMA-105)، ومن بولندا صواريخ محمولة مضادة للطائرات من طراز (Grom-2). واستوردت من روسيا طائرات مقاتلة من طرازي (Su-30MK/Flanker) و(Su-27S/Flanker-B)، وصواريخ مضادة للسفن من طرازي (Yakhont/SS-N-26) و (Kh-31A1/AS-17)، ومروحيات مختلفة. واستوردت إندونيسيا من كوريا الجنوبية طائرات قتال وتدريب من طراز (T-50 Golden Eagle)، وطائرات تدريب من طراز (KT-1 Woong Bee). واستوردت من إسبانيا طائرات نقل عسكري من طراز (C-212). على صعيد واردات تايلاند من الأسلحة والمعدات العسكرية، خلال الفترة المشار إليها، شهدت جغرافيا هذه الواردات قدراً كبيراً من التنوّع، فاستوردت تايلاند من الولاياتالمتحدة مروحيات من طراز (S-70/UH-60L Blackhawk) و(TH-28/480). واستوردت من أستراليا طائرات خفيفة من طراز (DA-42)، ومن الدنمرك رادار جو – بحر من طراز (Scanter-4100)، ومن روسيا صواريخ محمولة مضادة للطائرات من طراز (Igla-S/SA-24)، ومن جنوب أفريقيا ناقلات جند من طراز (Mamba)، ومن السويد مقاتلات (JAS-39 Gripen)، وطائرات استطلاع من طراز (Saab-340AEW)، وطائرات نقل من طراز (Saab-340)، وصواريخ مضادة للسفن من طراز (RBS-15M)، ورادار جوي من طراز (Giraffe AMB). واستوردت من أوكرانيا صواريخ مضادة للدبابات من طراز (R-2)، ودبابات قتال رئيسية من طراز (T-84). وأخيراً، استوردت فيتنام معظم أسلحتها من روسيا، بما في ذلك فرقاطات (Gepard-3)، وغواصات (Project-636E/Kilo)، وطائرات (Su-30MK/Flanker). واستوردت من كندا طائرات نقل عسكري من طراز (DHC-6 Twin Otter)، كما استوردت أسلحة من رومانيا وأوكرانيا. وما يُمكن قوله خلاصة، هو أن منطقة جنوب شرق آسيا قد عادت لتشهد موجة عالية من التسلّح، تفوق تلك التي شهدتها في ذروة الحرب الباردة الدولية. ويحمل المسار الجديد للتسلّح بين طياته الكثير من المعاني والدلالات، على صعيد البيئة الأمنية للإقليم، كما على صعيد علاقاته بجواره الجغرافي، وخارطة علاقاته الدولية عامة.