من منكم يتذكر منتظر الزيدي ذلك الصحفي العراقي الذي أفسد على المالكي احتفاله بولي نعمته الذي أقعده على كرسي الحكم ، عندما رشق بحذائه الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش في قلب بغداد عام 2008 م ، وكيف هبت الأمة على لسان رجل واحد فأعلن بعض أثرياء الخليج أنهم سيبنون له القصور ، ويغرقونه بالمال ، فيما تداعت عرائس فلسطين بوعد أن يضعن كل مصاغهن في حجره فور خروجه من المعتقل؟، من منكم يتذكر كيف بدا منتظر كما لو كان بطلاً قومياً سيخلده التاريخ ، ولا صلاح الدين ، وكيف تحول بين حذاء وآخر إلى ما يشبه الأسطورة. لقد خرج منتظر من سجنه بعد انتهاء محكوميته فلم يجد بيتاً يؤويه حيث أراد المالكي أن يقتص منه بتضييق الخناق عليه .. وليكتشف أن كل تلك القصور الفاخرة والسيارات والأموال والمصاغات قد أصبحت هباء منبثاً ، بل لم يجد وسيلة إعلامية تحتفي به، فذهب إلى قناة الجديد اللبنانية التي أتاحت له مساحة صغيرة لنقل عتبه على تلك الوعود الخلبية التي ذهبت أدراج الرياح . ولينتهي به المطاف للعق أحذية ضباط النظام السوري طمعاً في مكان يؤويه مقابل شتم الثورة السورية كل يوم!. هذا النمط من البطولات العربية هو ما ( تفش ) فيه هذه الأمة إحباطاتها ساعة وقوعها ، وقد تندفع في تحيتها إلى حد قطع الوعود الفارهة ، ثم ما تلبث أن تنساها أو تتناساها بعد أن تضعها في إطارها المنطقي ، لتكون كالشهب التي تتألق بسرعة ثم تنطفىء بسرعة أكبر . ما الذي يدفع شعوبنا العربية إلى المغالاة والمبالغة في رد فعلها تجاه ما تنكر إلى حد فقدان صوابها ، وإلى درجة قطع تلك الوعود بإسراف باذخ ، لا يستطيع الرشد تنفيذه متى طارت خمرة رد الفعل السريع من الرؤوس ، وعادت إلى وعيها ؟ ، ألا يدل هذا على عطب ما في منهج التفكير الجماعي بحيث تبدو صورة الحذاء الطائر لوهلة كما لو أنها قنبلة نووية ستمحو الولاياتالمتحدة من جغرافيا الكرة الأرضية ؟ ، ألا يعكس هذا التصرف صورة من صور العجز القاتل والانهيار الداخلي حد البؤس ؟ . لو ظفر منتظر ببعض ما وعد به لأصبح من حقنا أن نقول: إن هنالك من يؤمن بأن إهانة كتلك تكفي لتسجيل موقف ، لكن الرجل كما جاء على لسانه خرج من المولد خالي الوفاض ، مما يؤكد أن الأكف التي رفعت صيته عن الأرض وطاولت به عنان السماء ما كانت تنوي تكريمه ولا حتى تكريم حذائه ، قدر ما كانت تتشفى بمن تلقى الحذاء وحسب لأمر ما في نفس يعقوب. وقد يسأل أحدكم ما الذي يدفعني لأن أجرّ هذا الموقف التالف اليوم والذي انمحى من ذاكرة الكثيرين ؟ .. وهنا أقول : لأننا بتنا نرى من يتقمص دون وعي دور منتظر في بعض المنابر من خلال محاولة النيل من الآخرين قدحاً وردحاً وذماً وشتيمة باستخدام أحذية اللسان ، وكل هذا تحت عنوان النقد الذي لا يشبه ما يفعلونه . فقط لأنهم يجدون من يصفق لهم كما صُفق لمنتظر ، لكنهم إزاء نشوة الشعور بالبطولة لا يدركون أن ذلك المكاء وتلك التصدية سرعان ما ستعطيهم ظهرها متى غرّب وانفض عنهم سامر التشفي.