حاولتُ أن أسترجع تاريخ الأمير محمد بن سعود (يرحمه الله) لأجد للكتابة عن المرحوم بداية لا تسبقها بداية وتتبعها فقرات تدعو للاطمئنان على مصيره بين يدي مولاه ، وتستفز الحسرات على فقده يرحمه الله ..، لتكون كتابة رثاء عن رجل عظيم أعطى الوطن الشيء الكثير ، فلم أجد أصدق من صفة "مواطن بامتياز" ، فقد يشترك مع الأمير محمد يرحمه الله الكثير من الناس في الكثير من الألقاب والصفات ، ولكن القليل هم من يشتركون معه بصفة المواطن البسيط ، بساطة ينحني لتواضعها الشموخ ، وتطأ على كل امتياز لا يضيف للوطن امتيازا . عرفت المرحوم "بإذن الله" في القاهرة قبل ثلاث سنوات - خلال فترة عملي هناك قبل أن أترك عملي في الخارجية - فكان اللقاء في مطعم لا يرقى مستواه لأصحاب النفوذ ويفرح به بسطاء القوم ، وفي ركن بارز في تواضعه من المطعم قدمني لسموه شقيقه جلوي بن سعود ، فرحب بي بعبارة : " سعودي حياك الله تفضل" ، فكان سلامه انتماء مثلما هو لقاؤه وحديثه ، حوله مجموعة متشابكه في توجهاتها السياسية من المثقفين العرب ، فكل واحد من هؤلاء خصم للآخر في توجهه ، فاقترابهم من سموه جرأه ، له ولهم ، فمثلما كانت المملكة مصدر جذب للحديث كان محمد بن سعود محل احترام من اصحاب الحديث ، فجاء تعليقهم البارز أنتم السعوديين الأكثر نقاء والأرقى في تواضعكم عند الاقتراب منكم ، ولم تكونوا من بعيد على ما أنتم عليه من قريب ، فكان رد سموه : من قريب نحن نتحدث عن أنفسنا ، ومن بعيد أنتم تتحدثون نيابة عنا ، فهذا تناقضكم وليس تناقضنا ، فنحن السعوديين لنا طريق واحد ، أما أنتم فقد أربكتم الساعي للوصول إليكم بكثرة دروبكم ، فقد أمسك - غفرالله له - بتواضعه وسلامة منطقه على يد جرأتهم علينا بشدة ، لتعرف هذه اليد الجريئة كيف تصافحنا باحترام .. الأمير محمد اختار البساطة فاختاره التقدير ، فكان له التواضع بهاء وتيار إنساني تستمد منه قلوب عارفيه طاقات الاحترام المتواصل الذي لا يعرف الانقطاع والضعف المتذبذب الذي يصيب الضمائر المنافقة والمتلونة بكل ألوان الكبرياء الرخيصة . يا الله : كأنه في حياته ، وفي مماته منظور للبساطة ، فما أظن أن أحداً كان قادراً على أن يرد له حقه من الإعلاء على تلك البساطة الراقية حتى وإن كثرت الكتابة، مثلما أن أحدا لم يعطه ذات الحق في حياته .