ما بعد الاختبارات سيكون زمناً طويلاً في مقارنة طاقة الشباب وقدراتهم، وما بعد الاختبارات سيكون مكسباً لنا فيما لو استفدنا منه، وهو وقت ثمين لا يقدر بالمال، ولكن مواجهتنا لمعظمه مواجهة سلبية، نستشعر فقط جانب الخلاص منه أو بمعنى أقرب قتل هذا الوقت حتى لا يمتد إلى الآخرين ضرره وهذه مواجهة ليست إيجابية وهي تشبه تخلص المصانع من الغاز باحراقه فبدلاً من التفكير في تعبئته والاستفادة منه يتم حرقه في الهواء من أجل السلامة من سمومه، وهي مواجهة تخلص لا مواجهة نفع وفائدة. والشباب في فترة الإجازة الصيفية الطويلة يواجهون مشكلة تخصهم تتمثل في وقتهم الضائع ومللهم الذي قد يملأه الضرر أو الخطر كما يواجه المجتمع أيضاً مشكلة كيفية الأخذ بأيديهم فهو يحمل همهم وقد لا تدري كثير من الأسر عن الكيفية الصحيحة لملء وقت الفراغ، بل ان الكثير من الأسر وخاصة ممن يتوفر فيها عدد من الشباب تعجز عن ملء وقت فراغ أولادها بشيء نافع، فالأب لا يملك تجارة ولا يعمل في زراعة وإنما هو موظف بسيط لا يحتمل عمله مشاركة أحد من أولاده كذلك الأم. وتتشارك العديد من من الجهات وتتوزع هم الشباب وهمومه ومشكلته لكن يظل جزء كبير من المشكلة بلا حل، فوزارة التربية والتعليم تقوم بواجبها مشكورة حيث المراكز الصيفية، كذلك الهيئات والجهات السياحية تهيئ الوضع من أجل تلقي كامل الهائلة لكن بمبالغ قد لا يقوى عليها الجميع وقد لا تستنفد كل وقت الإجازة الصيفية، كذلك الجهود الخاصة من حلقات تحفيظ القرآن الكريم ورعاية الشباب حيث توفر ما تستطيع توفيره من أجل استقطاب المزيد من الشباب واستثمار وقتهم، كذلك لجان وجهات التوظيف التي تحاول جاهدة توظيف القادرين على العمل من خريجي الثانويات والجامعة ومع كل هذا يبقى المزيد من الشباب هنا وهناك، ويبقى الليل الصيفي مليئاً بالصخب وجدار الوقت مليئاً بالعطب والسبب أننا كمجموعة أسر وبالتالي مجتمع، يوجد داخل مساكننا شيء من النقص والعطب ويتمثل ذلك في عدة أمور أولها ان الملهيات صارت تستقطب الجميع من الشباب حتى المنصرفين عنها تحيط بهم وتحاصرهم، كما ان الرغبة في العمل وحبه صار الشاب من أزهد الناس فيه، ونحن في الوقت نفسه نوجه اللوم للجهات التخطيطية والتنفيذية أيضاً ونطالب الجهات التربوية بزرع بذور حب العمل والسعي والكسب مع تعارض الواقع من الأماني والمطالب ولكي نضع النقاط على الحروف ونلمس الجرح الذي منه نعاني فلنراقب ما يجري. معظم المنازل فيها من الشباب الذكور والاناث العدد الكافي لكي يستغني المنزل عن الخادمة، فالبنات صحيحات الأجسام سليمات القوة بل وربما يعانين من السمنة، والعمل صحة لهن والحركة نشاط وراحة نفسية وكذلك الفتيان، ومع هذا تستقدم خادمة أقل من الجميع قوة وأضعف جسماً فتلقى عليها كل أحمال العمل في المنزل من إعداد الوجبات إلى تلبية كل الطلبات والتنظيف وحتى فتح الباب لمن يطرقه، والبقية في مقدورهم العمل داخل الأسرة ومع هذا لا يوجد أدنى حركة، مما يولد مع الأيام طبيعة سلبية تحول الوضع هذا إلى الطبيعي في منظورنا ولو كان نشازاً وغير طبيعي، وهذا ما حصل بالفعل. يا ترى هل نطالب الجهات الحكومية بحماية الأسرة من منافسة الخادمة على العمل ونقول بأن السبب في احجام الشابات والشباب عن خدمة أنفسهم هي الخادمة؟ وان الشاب لا يقوم بمسح وتنظيف سيارته بسبب العامل الذي يقوم بالخدمة؟ هذا نموذج مصغر يحيط بشبابنا يكبر معهم ويتولد منه أشياء كثيرة أهمها حب الراحة والكسل والاتكالية التي لها مردودها السلبي على الإنتاج، ويحسدنا الجميع على الفئة العمرية الشابة التي يظهر بها الهرم السكاني، لكن لو علمنا ان الهرم السكاني يلزمه شحذ الهمم وغرس وتنمية حب العمل والتفاني في بذل المزيد من الرغبة في الإنتاج لو علمنا ذلك لقللنا من النظرة السطحية وتعمقنا في ذاتنا وحاولنا ان نوجد حلولاً عاجلة تنقذنا وتنقذ مجتمعنا من شيء بدأ يسري فيه منذ دخول العمالة التي تحملت عنا كل شيء حتى مستقبل بلادنا ووطنيتنا التي بدأنا نسلمها لغيرنا. قد يكون المال سبباً من أسباب ما نحن فيه ولكن يلاحظ ان الظاهرة قد زحفت على كل الأسر بكل مستوياتها الاقتصادية وهذه كارثة قد تقود إلى الموت البطيء للمجتمع وحضارته التي إن لم يسهم في بنائها بنفسه فلن يبنيها أحد من خارجه. ولو عدنا إلى الوراء لنستقي من حياة أجدادنا بعض معالم النهضة التي بنوها بسواعدهم، لوجدنا عدة مشكلات كانت بينهم حول العمل وتوفيره والفرص ومجالات الإنتاج بل وضعف الفرص أو انعدامها ومع ذلك كان لهم الهم الكبير في محاولة تجاوز كل العقبات من خلال الصبر وتكوين خبرات حول الحرف والمهن وتوسيع مجال الإنتاج بحيث يستوعب المزيد من الأيدي فكان لديهم الرعي والزراعة ومختلف المهن حولها فحفروا الآبار وشيدوا الأسوار ورفعوا البنيان وطرقوا كل مجال وخلفوا لنا حضارة تشهد بصبرهم وعدم اتكاليتهم. لم يقف فقد المال وضعف الحال عقبة في طريقهم ولم يستسلموا ولم يسلموا بلدانهم لغيرهم بل بنوها بسواعدهم، وكان الرجل والمرأة يداً واحدة والأسرة في ميدان العمل صغيرها وكبيرها، ومنهجهم لا يزال قائماً في جيل يعيش بيننا، ولذا علينا الا نفقد الأمل أو نستسلم للكسل أو نخلد لراحة قد تكون فيها هلكتنا يوماً من الأيام. وشبابنا اليوم وهم يقدمون الاختبارات ويستقبلون الإجازة تبادر إلى بعضهم ان النوم في النهار وسهر الليالي بطولها هو الحل لملء الفراغ يشجعه على ذلك ما يجري من حوله وبالتالي فهو في مهب ريح عاتية تسود العالم وتلفه معها ضمن أعاصيرها الموسمية، لتتسلمه الدراسة بعد الإجازة وقد أخذ دورة في الخمول والكسل يستمر معه طيلة العام الدراسي الجديد، وهكذا تدور الأيام كما بدأت. مثل هذا الوضع والمدة الزمنية من الإجازة لا يكفيها نزهة من عدة أيام لزيارة المصايف، ولا رحلة برية أو زيارة لمنتزه لأن جوهر المشكلة داخل المنازل بدأت من الأب والأم حيث تعودنا جميعاً على خدمة الخدم وتوفير الأشياء وتكوين فراغ قاتل ومؤلم، ولكي نعود يلزمنا التخلي عن الراحة التي يوفرها لنا غيرنا ولنعتمد على أنفسنا بقدر ما نستطيع، وعندما ينشأ الأطفال في جو يخدم نفسه بنفسه سيكون لدينا شباب يتحملون المشقة ويبنون بسواعدهم وطنهم بكل ثقة، وتتلاشى مشكلة الفراغ التي تتكرر كل عام كما ان الجميع سيدرك ان الراحة في العمل لا في الخمول والكسل.