تشير بعض دراسات المختصين في تاريخ الرواية العربية على أن الكاتبة اللبنانية ( زينب فواز ) دشنت الرواية عربيا بروايتها ( غادة الزهراء) والتي نشرت في العام 1889 ثم أعقبها رواية ( قلب الرجل ) ل لبيبه هاشم من لبنان في حين أن أول رواية رجالية هي ( زينب ) لمحمد حسن هيكل ) المنشورة في العام 1914م وإذا سلّمنا هنا من أن هذه الوقائع تشترط التاريخ دراسة وبحثا وتمحيصا قبل أن نجزم بها أو بنفيها فإننا في الوقت ذاته نؤمن كثيرًا من أن العمل الإبداعي بأشكاله كافة لايشترط جنسا إنسانيا معينا إلا من خلال أدوات الإبداع وأهمها الأبعاد المعرفية ، فالتاريخ يحيل تأخر ظهور الإبداع النسوي لدينا على الأقل بسبب إشكالات اجتماعية معينة لعل أهمها تأخر تعليم المرأة لدينا مقارنة بالرجل مثلا ، فالأمر لايحتمل الإبداع جنسًا بقدر ما يحتمله على صورة أدوات ومؤهلات ثقافية ومعرفية وبعد اجتماعي عام يعي ماهيّة الفن وما ينبغي له من مكاشفة للوجود وتواصل مفتوح معه .. فالرواية فن مدني يحتفل بالتفاصيل الصغيرة ، والزوايا اليومية التي تتجاوز الأبواب المغلقة ، وتقفز على السائد والنمطي والمسكوت عنه غالبا ، والإحاطة بهذه التفاصيل التي تشبه النميمة الإيجابية في الفن السردي ، هي من طبيعة الرؤيا العامة للمرأة ، ولهذا تظل قادرة على أن تكون متميزة فيه كثيرا حينما تتخلّص من عقدة السيطرة الذكورية عليها المتمثلة بالمجتمع الذي ينكر كثيرا جرأتها مثلا في كشف المسكوت عنه مقارنة بالرجل ، وعلينا أن ندرك أن العصر الحديث مدنيا فرض علينا تحقيق منظومة حياتية اجتماعية ثقافية يتصدر مشهدها الرجل بشكل عام ، لكنه بات أكثر المدركين لضرورة التكامل بينه وبين المرأة ، وبالتالي لا أظن أن هناك حالة إقصاء مستقبلية للمرأة لتساويها معه على كل المستويات وأهمها المستوى المعرفي الذي شكل عائقا كبيرا أمامها على مدى تاريخ الإبداع العربي وهو ما أخّرها عنه في مناسبات زمنية متعددة ، وحتى ظهورها تاريخيا كان خجولا وموجّها ، فلم تشتهر الخنساء مثلا كشاعرة عربية إلا من خلال رثائها لأخيها صخر أي من خلال دائرة ذكورية صرفة ، إلا أن الأمر بدأ مختلفا جدا في العصر الحديث تحديدًا عبر فن الرواية ، إذ من المدهش والمهم أن يفوز بجائزة البوكر لسنتين متتاليتين رجل وامرأة سعوديان على التوالي عبدو خال ورجاء عالم مما يعني أن الإبداع الروائي باتت فيه المرأة حاضرة وبقوة جنبا إلى جنب مع الرجل ، وهو مالم يتحقق من قبل على مستوى الشعر بهذه الصورة التي تبدو عليها الرواية المحلية ...