في الوقت الذي ينتابنا حزن عميق على فقيدنا الغالي، فقيد الوطن الأمير نايف بن عبدالعزيز فإن المواطن الصادق يشعر بارتياح كبير لما وفق الله خادم الحرمين الشريفين له باختياره الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولياً للعهد ، نائباً لرئيس مجلس الوزراء، ووزيراً للدفاع ، وإسناده - حفظه الله - وزارة الداخلية إلى الأمير أحمد بن عبدالعزيز. لا أعرف من رجال وطني من هو على معرفة بالناس والأسر، وإنزالهم منازلهم ، وإقامة علاقات معهم مثل الأمير سلمان ؛ يزور مريضهم ، ويستجيب لدعوة من دعاه ، ويخفف معاناة من يلجأ إليه ، ويشارك الناس أفراحهم وأتراحهم ** ** ** فالأمير سلمان علم من أبرز الأعلام قيادة ، وريادة ، ليس في المملكة فحسب ، بل على المستوى العربي والإسلامي. رجل أعطاه الله من الصفات الحميدة الشيء الكثير، مع قدرات ذهنية تستوعب تشعبات الأحداث والمواقف، وثقافة واسعة . لقد تشرفت منذ عقود أربعة باستمرار الاتصال والاجتماع إلى سموه، وسماع وجهات نظره السديدة في قضايا بلادنا المعاصرة ، وكان عوناً لي في مواقف عدة . وأنَّى لي أن أعدد مآثره على الوطن وعليّ شخصياً. ولعلي أعطي أمثلة قليلة من تلك المآثر الدالة على حنكته وبعد نظره. فحين كنت مديراً عاماً لمكتب التربية العربي لدول الخليج أحدثت جائزة المكتب لأفضل إنجاز أدبي وتربوي، وحين أردت أن أعطيها بعداً عربياً واسعاً ما كان أمامي إلا الأمير سلمان ؛ ليرعى أول احتفال يقيمه المكتب لمنحها، وكان الفائز بها الدكتور| عبدالله الغذامي ، الذي تشرف باستلامها من يد سمو الأمير سلمان. وها هو المقر الرئيسي لمكتب التربية العربي لدول الخليج في مبناه المتميز في حي السفارات، ما كان ليتم لولا أن سمو الأمير سلمان حقق رغبة الدول الأعضاء ليس في منح الأرض فحسب ؛ وإنما بتكفل هيئة تطوير مدينة الرياض ببنائه على أكمل وجه. ** ** ** وحين تحدثت في عام 1412ه عن ضرورة توسيع مدارس البنات ؛ بحيث يكون فيها فناء تزاول فيها الطالبات رياضة بدنية محتشمة، ووصف أحد كبار المسؤولين دعوتي تلك بأنها مخالفة للقواعد الشرعية ، ونشرت إحدى الصحف المحلية ذلك الوصف لموقفي من ذلك المسؤول وأمعن في لومي وسبي، هاتفني سموه بعد أن اطلع على كلمتي المتضمنة موقفي ذلك. رتب لي لقاء مع سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - وكان ذلك اللقاء بلسماً شافياً لي، إذ رأى سماحته أن ذلك المسؤول تطاول عليَّ بهذا الوصف الذي فيه تجن ومخالفة للحقيقة . ** ** ** وحين حدَّثتُ سموه عن جامعة الخليج العربي في البحرين ، وأن صدور قرار من المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية يدعمها ويعزز مكانتها، رتب لي على عجل أن أرافق خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - في رحلته إلى الكويت في عام تحريرها مشاركاً في أعمال المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ، بغرض أن أقترح على الملك أن يكون ذلك القرار عن جامعة الخليج العربي ضمن قرارات المجلس الأعلى لتلك الدورة ، وتحقق ما أردته حين استجاب - رحمه الله - لاقتراحي . ** ** ** أما حين شرفت بالعمل وزيراً للتربية والتعليم (المعارف سابقاً) فمواقفه وتوجيهاته لي لا يتسع المجال لذكرها. فكان يهاتفني موجهاً ومستفسراً. ويوم شكوت لسموه الذين اتهموني في ديني وأمانتي في خطب يوم الجمعة، قال لي - حفظه الله - : " هل يا محمد تريد الدنيا أم الآخرة ؟ " فكان جوابي بالطبع الآخرة ، فقال لي : " لا تضيع وقتك ، واحتسب الأجر عند الله " ، وحمدت الله وما زلت أحمده بأني أخذت بتوجيهه فما عند الله خير وأبقى. ** ** ** لا أعرف من رجال وطني من هو على معرفة بالناس والأسر، وإنزالهم منازلهم ، وإقامة علاقات معهم مثل الأمير سلمان ؛ يزور مريضهم ، ويستجيب لدعوة من دعاه ، ويخفف معاناة من يلجأ إليه ، ويشارك الناس أفراحهم وأتراحهم ، وإبان مسؤوليتي في الدولة كنت أعود لسموه أسأله عن بعض الناس ، وأستشيره فيمن أرشحه للوظائف القيادية وفي كل الأحوال كان خير مرشد لي . ** ** ** عركت الأمير سلمان التجارب ، فمنذ ريعان شبابه وهو يمارس المسؤولية القيادية بكل جدارة وإتقان ، يحترم الوقت ، وينجز المهمات ، لا يكل من العمل ولا يمل ، قدَّره الملك عبدالله حق قدره بهذه المسؤولية التي هو أهل لها. ** ** ** أما الحديث عن الأمير أحمد فيكفي أن أقول : إنه أجدر من يتولى وزارة الداخلية. كان عضد أخيه الأمير نايف - رحمه الله - له بصماته المؤثرة والفعالة على كل التطورات التنظيمية والإجراءات الأمنية. عرفه مواطنو المملكة بتواضعه وتأنيه ، وخلقه الرفيع .. أعانه الله على مهماته وزاده من توفيقه . ** ** ** ولا يملك الفرد إلا الدعاء لقيادة مملكتنا الرشيدة بالتوفيق والسداد. والمخلص الصادق من أبناء المملكة مطالب بمؤازرة أولي الأمر في البلاد ، والدعاء الخالص لله تعالى أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ويمده بالصحة ، ومزيد من التوفيق ؛ لتزداد إصلاحاته ومشروعاته التطويرية . ** ** ** وفقنا الله جميعاً إلى الخير والصواب ، والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها، اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة ، وأمدّنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.