توسّد الفتى الحالم والمغامر والشجاع عباءته فوق رمال الربع الخالي بإيحاءات سكونه المخيف، وامتداداته الموحشة، ورفع يديه إلى السماء صادقاً في أمله، يلف واقعه غموض سديمي، ودعا ربه في مناجاةِ خشوع " رب إني لما أنزلت إليّ من خير فقير " ، ولكنه لم ينم فقد كان حلمه لايقبل أن يفرّط في ثانية من الزمن دون أن يضع كل الاحتمالات للفشل، والنجاح، للحياة أو الموت، فقد أمضى ورفاقه شهر شعبان في تنقل مستمر وسط رمال ومجاهل الربع الخالي ، وليس معهم من الزاد إلا التمر وما يستطيعون اصطياده من كائنات الصحراء يخففون بها جوعهم، ولم يكن في خلد الفتى المغامر وهو يتوسّد عباءته أنه يفترش خزائن الأرض من تحته، وكنوز الخير تجري تحت قدميه المكتويتين بحرارة الرمال، وأن الله قد استجاب لدعوته المؤمنة فيمنحه التوفيق والنصر في غاياته وأهدافه، ويفجّر الذهب الأسود خيراً يُسعد الإنسان، ويؤسس لكيان قوي باقتصاد مؤثر في حياة الوطن والعالم . أوصى الفتى الشجاع عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل آل سعود رفاقه الذين تركهم حماية ومدداً في ضلع الشقيب قائلاً " ... إذا ارتفعت الشمس ولم يأتكم خبرنا فعودوا إلى الكويت، وكونوا رسل النعي إلى أبي، وإذا أكرمنا الله بالنصر فسأرسل لكم فارساً يلوّح لكم بثوبه إشارة إلى الظّفر ثم تأتونا " . ومع خيوط ضوء مختلف لصباح مختلف من يوم مختلف بدأت قصة كيان ودولة وإنسان . حمّل عبدالعزيز - طيّب الله ثراه - أمانة الإرث، والمنجز، والوطن، لأبنائه وغادر حياتنا مطمئناً لأن الأمانة في أيدي رجال من مدرسته التربوية والنضالية، يستلهمون المسارات، وثقافة العمل، والتضحية من أجل التاريخ والجغرافيا، وتحقيق كل مايندفع في مصلحة المواطن وأمنه، ومحاربة مثلث الجهل والفقر والمرض، يستلهمون العمل على كل هذا من غاياته وأهدافه التي خرج صغيراً يافعاً تائهاً في صحراء الربع الخالي طيلة خمسين يوماً من أجل تحقيقها. حافظ الأبناء على منجز عبدالعزيز، وقدموه وطناً للشموس، فاعلاً في إنتاج الحضارة الإنسانية، مؤثراً في صناعة القرار الأممي، مساهماً في ترسيخ أسس العدالة والتسامح والتعايش الإنساني، مدافعاً عن قضايا العرب والمسلمين بصوت مسموع في المحافل والمنظمات والهيئات العالمية ، مسخرين كل ثروات الوطن التي كان المؤسس يتوسّد العباءة ويلتحف السماء فوقها فقيراً إلى ربه، آملا في استجابته لدعائه " رب إني لما أنزلت إليّ من خير فقير "، مسخرين هذه الثروات لتنمية الوطن، وتحديثه ، وسعادة إنسانه. والآن يقود إبهارات وتجليات الوطن الملك الإصلاحي عبدالله بن عبدالعزيز، الملك المؤمن والحريص على إرث المؤسس ، والحامل الوطن والإنسان همّاً وهاجساً في داخله، والعامل على تنميته وحداثته والدفع بورشة العمل الاقتصادي في أرجائه الشاسعة والواسعة، وعضده ولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز. مسيرة الوطن إلى قمم المجد والتاريخ مستمرة ومتنامية بإيمانات الرجال . المجد للوطن، والتوفيق للقيادة..