من الأمور اللطيفة في اللغة أن يأتي اللفظ يشبه صوته، فقد سمّت العرب مثلا البطّ لصوته ، وقالت عن الغراب غاق ، ومن ذلك قولهم: خَضِم وقَضِم ، فالخضم لأكل الرطب كالبطيخ والقثاء، والقضم للصلب اليابس، ولديهم هنا حكمة طريفة : " قد يُدرك الخَضْم بالقَضْم" أي قد يدرك الرخاء بالشدة واللين بالشظف. وقد فرّقوا بين نضح الماء ونضخه، فالحاء لرقتها تكون للماء اليسير والضعيف، والنضخ شدة فور الماء في جيشانه وانفجاره من ينبوعه بكل خير يقول جلّ وعلا: "فيهما عينان نضاختان". وتدلّ كلمة (حسيس) على معناها بصوتها، فقد كان العرب إذا لدغت أحدهم شعلة من نار يقول: حسِّ حسِّ بكسر السين، يقول تعالى:" إنّ الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون، لا يسمعون حسيسها وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون"، والمعنى حيّات على الصراط تلسع أهل النار فيقولون: حسّ حسّ. ويمكن التوصل إلى مشابهة أصوات الكلمة لمعانيها عن طريق مضاعفة الكلمة فالعرب تقول: زعزع وجرجر وقرقر وصلصل.. ومن التضعيف الرائع قوله عزّ وجلّ: "والليل إذا عسعس"، ولك أن تقرأ لسان العرب وتفسير ابن كثير لتعلم أن هذه الكلمة جمعت إقبال الليل وإدباره وظلامه. ويقول الله سبحانه في ظهور الحق في قصة يوسف: "الآن حصحص الحق" والحصحصة هي الحركة في شيء حتى يستقرّ فيه ويستمكن منه ويثبت، ونحن نعلم كم استغرق ظهور الحق في قصة يوسف. فتبارك الذي نزّل أحسن الحديث. * محاضرة في اللغة العربية