طرح الملياردير الأميركي جورج سوروس خلال المهرجان الاقتصادي الذي تم تنظيمه في إيطاليا مؤخراً وجهة نظره حول الأزمة المالية في أوروبا والتي أشار فيها إلى أن القادة الأوروبيين أمامهم ثلاثة شهور لإنقاذ منطقة اليورو. وأعتقد أن حديث سوروس على درجة كبيرة من الأهمية. فهذا المضارب الكبير ليس بعيداً عن تطور الأزمة الاقتصادية في القارة العجوز، هذا إذا لم يكن من مديري فصولها. ويمكن للراغبين في الإطلاع على مطارحة هذه الشخصية المثيرة للجدل الرجوع إلى موقعه على الانترنيت: georgesoros.com. وبصفة عامة فإن سوروس في مرافعته قد استلهم تعاليم الفيلسوف الانجليزي كارل بوبر - الذي يرى أن علمية النظرية يعتمد على قابليتها للتطبيق وأن تفسير الناس للواقع لا يتفق دائما مع الواقع نفسه. ولكن ما يهمنا هنا من كل ذلك الحديث هو الجزء الذي يشير فيه إلى أن حرية المناورة في أوروبا قد تقلصت. فهي لم يبقِ أمامها والعالم معها غير خيارين لا أكثر: الأول يقوم على أساس حتمية تفكك منطقة اليورو الأمر الذي سوف يترتب عليه تفكك الاتحاد الأوروبي بكامله، مما سوف يؤدي إلى إلغاء كافة الاتفاقيات بما فيها اتفاقية شينجِن. فإذا حدث ذلك فإن الاقتصاد العالمي سوف ينهار تبعاً لذلك. أما السيناريو الثاني فإنه مبني على أساس أن المانيا سوف تتمكن خلال الفترة القادمة من احتواء الأزمة، وهذا سيترتب عليه تعاظم نفوذها وعودتها كإمبراطورية كما كانت في السابق. إن الشكوك تساورني حول صيرورة كل ما جاء على لسان سوروس. فالخيار الأفضل للعالم ربما يكون تشجيع ألمانيا وحثها على المضي قدما في تقديم المساعدة للبلدان الأوروبية التي تعاني أو قد تعاني في المستقبل من أزمات مالية. فهذا السيناريو ربما يؤجل انهيار منطقة اليورو ولكنه سوف يستنزف القدرة المالية لألمانيا وبالتالي يمنعها من التحول إلى تلك الإمبراطورية التي ترتعد منها فرائص سوروس – على الأقل في الوقت القريب. ورغم ذلك فإنه من غير الممكن تجاهل ما ذهب إليه الملياردير الأمريكي وخصوصاً السيناريو الأول. فنحن ليس فقط جزء من الاقتصاد العالمي بل على أشد الارتباط بالاقتصاد الأوروبي الذي تعتبر بلدانه من أهم شركائنا التجاريين وعلى رأسهم ألمانيا. ولذلك فإنه من المفروض أن يكون لدينا تصورنا الخاص حول تطور الأزمة الاقتصادية في أوروبا. فإذا كان انهيار منطقة اليورو هو الأمر المرجح فإنه من الأفضل أن نكون قد بدأنا منذ زمن بتقليص حجم تبادلنا التجاري مع هذه القارة المريضة. خصوصاً وأن الميزان التجاري يميل لصالحنا، مما يعني تراكم أوراقهم النقدية لدينا. وهذا الأمر لعله يهم قطاع الأعمال أكثر من القطاع الحكومي. فهذا الأخير كما يبدو لي، لا خوف عليه لأنه يبيع النفط بالدولار وليس باليورو. كذلك فإن استثماراتنا في أوربا يفترض أن تكون قد بدأت في الخروج من هناك وتحولت إلى ريالات تدور في سوق الأسهم وتشغل في الصناعة والزراعة أو أي قطاع آخر على أرض الوطن- ففي هذا الوقت المضطرب لن تجد تلك الأموال مكانا أكثر أماناً لنفسها من بلدها.