أغلبنا يعرف الاحساس ويستعيده, كلما هلت شهور الصيف, منذ أن كنا صغارا لا نفهم من أبجديات الكلام كثيرا، ولكن أجواء المدرسة وتحرر الإجازة الصيفية هما عوالم ملتصقة بتجربة نمونا لاشك أينما كنا وكبرنا وتعلمنا. وهي مناسبات تعلمنا منها الهوايات واللهو, السفر, شواطىء البحر وملوحته, البث التلفزيوني وطقوس ترفيهية عديدة بينها تناول الآيسكريم على الشاطىء. غير ان هذا زمن مضى لن يتكرر بتفاصيله لابنائنا الآن لتداخل اختراعات الإلهاء العصري الكثيرة. ففي التاسعة من عمري وكنت مثل كثيرين آخرين نتلقى التعليم بمدارس داخلية بالخارج لم يكن يسمح لنا بالذهاب للسينما إلا مرة واحدة بالأسبوع.. أحيانا, وأحيانا أخرى يمضي أسبوعان قبل أن تأتي الفرصة لعدم ملاءمة بعض الأفلام حينها. أذكر الآن كيف تورطت ذات مرة بدعم من بقية الرفقاء والرفيقات بأن أهاتف مديرة المدرسة في بيتها لأطلب بليز مسز فهمي نريد الذهاب للسينما. ومسز فهمي رغم صرامتها حنونة ومتابعة جيدة لأحوالنا. ذلك الضحى سكتت قليلا وهي تفكر قبل أن تسألنى عن اسم الفيلم الذي نريد مشاهدته. وكان يعرض في إحدى دور العرض في الضاحية التي نسكنها. ورددت ببراءة باسمه الأجنبى دون أن أعرف حقيقة معناه حينها. وجاء صوتها غاضبا وهى تصيح بالانجليزية " فيلم ماذا!! ماذا!! يتبعها محاضرة خاطفة عن أهمية اختيار الملائم من الأفلام المعروضة. وغمرني الشعور بالارتباك وكدت ان أبكى وأنا اعتذر لها دون ان أفهم لماذا بدت غاضبة. وددت بعدها ان أضرب رفقائي كلهم فردا فردا الذين كان عذرهم بأنهم اختاروا تلميذة مفضلة لدى المديرة كى نحظى بالموافقة للذهاب إلى السينما. بعد سنوات عرفت ان الفيلم كان من النوع الاستعراضي الكوميدى ذي عنوان جريء! وربما عرفت مديرتنا عندها خلوه من أى شيء مشين فقد كان يعرض في دور سينما عائلية غير ان اسمه سبب حالة سوء الفهم. المهم ان ذلك الصيف أخذتنا مسز فهمى إلى شاطىء الاسكندرية وأمضينا زمنا جميلا ما بين اللعب بالرمال والسباحة وأكل الآيسكريم بالطبع. ونعود متوهجين بلون بشرة برونزية تضج بحيوية الشمس والبحر نكاد ان نتباهى معها بأننا كنا هناك.. أعني على شاطىء البحر.. نتنفس. كم كانت تسالينا ومصادر فرحنا بسيطة وجميلة.. نمرح بالنهار لننام مبكرين ونصحو نشيطين صباح اليوم التالى؟ كم كانت الحياة متنوعة وواعدة دون تأثير وازعاج مشاهد وأفكار أفلام الرعب وألعاب الفيديو التى تسلي صغارنا ومراهقينا وشبابنا بكل هذا العنف والدموية؟ في معظم البيوت الآن تتجمع البنات لمشاهدة أكثر من فيلم بالليلة الواحدة خاصة فى عطلة نهاية الأسبوع لتأتي الابنة تشكو بعدها الكوابيس والأحلام المرعبة. وأفكر معها فى كل مرة عما شاهدت من أفلام لنصل إلى قناعة بأن العنف والخوف المشاهد هى مخاوف حقيقة تقبع فى دواخل النفس وتؤثر بها دون سيطرة من الرائي. وهكذا تمضي أغلب مساءات العطلة الصيفية فيما وصفه أحد العاملين فى مركز ترفيهي يحوي غرفا مظلمة بأنها الحالة التى يدفع فيها الناس النقود من أجل جلب الرعب لنفوسهم باختيارهم.