المذبحة التي ارتكبها جيش النظام السوري الأسبوع الماضي في قرية الحولة، ليست هي الأولى خلال الأسبوع الماضي في المنطقة. فقبل ذلك بستة أيام وبالتحديد في العشرين من شهر مايو/أيار الماضي قام عدد من الانتحاريين من الجيش اليمني بتفجير عربة عسكرية محملة بما يقارب طنين من المواد المتفجرة خلال عرض عسكري في صنعاء، وأسفرت هذه العملية عن سقوط 100 قتيل من الجنود اليمنيين وحوالي 400 جريح، بحسب الإحصاءات الرسمية. وفي خضم هذه الأحداث نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأسبوع الماضي خبراً جاء فيه أن الرئيس الأميركي اوباما اقترح حلاً للوضع في سوريه شبيه بالحل في اليمن. ففي اليمن الذي سقط فيه آلاف القتلى وعشرات الآلاف من الجرحى في حرب أهلية غير معلنة، وافق الرئيس السابق علي عبد الله صالح على الخروج من البلاد وترك السلطة شريطة اللجوء للولايات المتحدة وتلقي العلاج هناك، ونقل السلطة الى عبدربه منصور هادي أيضاً بشرط بقاء أبنائه في مناصبهم الرفيعة في الجيش والسلطة. ما سبق يعني أنه إذا كان الرئيس اوباما يسعى لحل على الطريقة اليمنية في سورية فهذا يشير الى أنه يريد حلاً يُبقي على كبار المسؤولين في نظام الأسد، وعدد من عائلته على رغم مسؤوليتهم عن المذابح في الحولة وحمص وحماة وادلب، ليكونوا جزءاً من السلطة الانتقالية الجديدة التي ستقام في دمشق. وطبقاً ل»نيويورك تايمز» فإن هذا المقترح الأميركي سبق أن طُرح مرتين على القيادة الروسية، الأولى كانت في الخامس من مايو الماضي والثانية كانت في التاسع عشر منه، على هامش منتدى (جي 8) الذي عُقد في كامب ديفيد وحضره رئيس الحكومة الروسية ديمتري ميدفيدف. وبحسب مصادر أميركية لم يرفض ميدفيدف حينها اقتراح اوباما، وقال بحسب تسريبات أميركية أيضاً «من الأفضل أن يبادر الأسد لترك السلطة كما فعل علي عبدالله صالح قبل أن يجد نفسه سجيناً مثل الرئيس المصري السابق مبارك». وبحسب الموقع الأمني الإسرائيلي «تيك ديبكا» فإن هذا ليس إلا قمة جبل الجليد لما يجري في سياسة أوباما في الشرق الأوسط وتدخل موسكو فيها. فالكشف الأخير الذي نشرته مجلة «ديبكا نت ويكلي» في عددها الصادر في الخامس والعشرين من شهر مايو/أيار الماضي تضمن تفاصيل حصرية عن الإجراء الذي يحاول الرئيس أوباما تنفيذه بمساعدة من موسكو. وتتضمن هذه الخطوة السياسية التي تعمل عليها واشنطنوموسكو سوياً مع طهران على بلورة اتفاقيات بشأن الملف النووي الإيراني والوضع في سورية. وإذا ما تم هذا الإجراء فسيكون له نتيجتان فوريتان واضحتان، الأولى هي أن الاتفاق بين القوى العالمية الكبرى وإيران حول البرنامج النووي متعلق الآن أكثر من السابق بإيجاد حل للحرب الأهلية في سورية، والعكس. النتيجة الثانية هي أنه في حال تحقيق اتفاق بين واشنطنوموسكووطهران حول الملف النووي، والوضع في سورية، فهذا يعني أن الولاياتالمتحدة وروسيا وإيران ستتقاسم فيما بينها النفوذ في الشرق الأوسط. وذكر «تيك ديبكا» أن الإعلام الإسرائيلي نجح خلال الفترة الماضية في منع وصول هذه المعلومات وكل ما يتعلق بهذه القضية الى الرأي العام الإسرائيلي، وعدم ذكر أي شئ عن دور رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في هذه الصفقة الجاري إعدادها بين أوباما وبوتين وخامنئي. وكان الموقع الأمني «تيك ديبكا» نقل عن مصادره الخاصة في العشرين من مايو/أيار الماضي قولها إن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه ايهود باراك قررا التسليم بالاتفاقية النووية الآخذة في التبلور بين واشنطنوطهران، وذلك بعد أن تلقيا من أوباما تأكيدات بأن أي خرق ايراني للاتفاقية سيؤدي فوراً الى وقف هذه المفاوضات ولن يتم استئنافها أبداً، وسيكون الخيار الوحيد المتبقي هو الخيار العسكري. وكان اوباما التزم التوصل لهذا الاتفاق الاميركي - الاسرائيلي قبل قمة ال (جي 8) التي عُقدت في التاسع عشر من مايو/أيار الماضي في كامب ديفيد، وهذا ما فعله. وعملياً فقد وعد نتنياهو وباراك الرئيس اوباما مقابل وعده بالتحول للخيار العسكري ضد البرنامج النووي الايراني في حال عدم التوصل الى اي اتفاق نووي مع طهران، بإعطائه مهلة ستة اشهر اضافية حتى موعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل يعمل خلالها للتوصل لاتفاق مع بوتين وخامنئي من دون أن تقوم إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية لإيران. وبحسب «تيك ديبكا» فقد وصفت جهات في الغرب والعالم العربي خطوة أوباما هذه بالصفقة الكبيرة، بينما رآها آخرون فشلاً كبيراً، ويستند هؤلاء الذين يعتبرونها فشلاً كبيراً الى ثلاثة أسباب أساسية وهي عدم قدرة أوباما على التوصل الى اتفاقية نووية مع ايران حتى الآن، المذابح التي جرت في اليمن وفي سورية، والتطورات المستقبلية في المنطقة والتي ستُنهي حتماً خطط الرئيس الاميركي. وإذا ما أدركت القيادة الايرانية أنها محصنة ضد أي ضربة عسكرية اسرائيلية خلال الأشهر الستة المقبلة، فما الذي سيدعوها لإعطاء موافقتها الآن في شهر مايو/أيار الفائت أو يونيو/حزيران الحالي؟ وقبول المطالبات الاميركية بإيقاف تخصيب اليورانيوم الى درجة 20% ؟. واذا ما علم الرئيس السوري بشار الأسد وقادة جيشه أن المظلة الايرانية الروسية لا تزال تظللهم لستة أشهر مقبلة فما الذي سيمنعهم من قتل المنتفضين السوريين ونسلهم وقصفهم بالدبابات والمدفعية؟. وأكد الموقع الأمني الإسرائيلي أن هذه ليست إلا البداية لما سيحصل في الشرق الأوسط خلال الفترة المقبلة، لأنه لا فلاديمير بوتين ولا علي خامنئي ولا بنيامين نتنياهو ولا بشار الأسد متأكدين من أن اوباما سيفوز بفترة رئاسية ثانية في الولاياتالمتحدة، بمعنى آخر سيتضح في نوفمبر المقبل ما اذا كان اوباما هو الخاسر الأكبر بينهم، وعندها ستبدأ اللعبة الكبرى من جديد.