ينقسم الشعراء والعشاق إلى حزبين في باب الهوى، قسم يؤيد كتمان الحب خوفاً على الحبيب وخوفاً من العاذل والرقيب، وآخر يريد إشهار الحب وإعلانه.. على أي حال فإن العاشق الصادق - رجلاً كان أو امرأة - لا يستطيع كتمان الحب، وخاصة إذا كان شاعراً، وقد عدّ النقاد قول جميل: (لا لا أبوح بحب بثينة إنها أخذت عليًّ مواثقاً وعهودا) منتهى الحماقة لأنه باح بحبها في نفس البيت الذي أكد فيه أنه لن يبوح به، بل وذكر اسمها رغم أنها أخذت عليه العهود والمواثيق.. لا بأس يا جميل.. كل المحبين حمقى.. وأجمل الحب حماقاته.. والمتنبي قد يكون عشق خولة أخت سيف الدولة، وله بيت متناقض: (الحبُّ ما منع الكلامَ الأَلسُنا وألذُّ شكوى عاشق ما أَعلنا) وهذا جعل شرّاح ديوانه يتفلسفون لإخراجه من التناقض فيعتبر بعضهم (ما) نافية مع أنها موصولة، والأجمل هو أن المتبني صور - ببلاغته - صراع العاشق، فالحب يعقد لسانه مع أن الإعلان ألذ ما يكون.. فالحب في صمت انتحار بطيء، وأقتل الحزن دفينه.. وينصح ابن داود في كتابه (الزهرة) بكتم الحب عن المحبوب؛ حتى لا يصيبه الثقل والغرور وحب تعذيب العاشق.. يزعم شاعر أنه (قدر كاتم): «فلو أن شيئاً كاتم الحب قلبه لمت ولم يعلم بحبكما قلبي» و(القدر الكاتم) يحتاج لصمام أمان يخرج بعض البخار الذي يغلي بداخله وهو فوق نار الحب.. وإلا انفجر. ويرى أبو نواس إعلان الحب، ولا يستغرب ذلك منه: «فبح باسم من تهوى ودعني من الكنى فلا خير في اللذات من دونها ستر» وقد أودت به اللذات ولكنه تاب آخر عمره.. عموماً هناك أشياء لا يمكن كتمانها منها الحب والحمل والفقر والسعال والوجه الجميل أو القبيح.