ترتبط المملكة العربية السعودية بعلاقات استراتيجية ومصيرية مع الأشقاء في جمهورية مصر العربية، وهي علاقات ترتكز على الدين والجوار والعروبة ووحدة المصير، ومنذ تنحي الرئيس السابق بضغط جماهيري كبير، وهناك من يسعى جاهداً لدق أسفين بين البلدين لاستهداف تلك العلاقة التاريخية، عن طريق كتابات عبر ما يسمى بالصحافة الصفراء تتهم حكومة بلادي بدعم ثورة مضادة، ثم انتقلت تلك الاتهامات إلى العلن عبر القنوات الفضائية المصرية الخاصة، وشيئاً فشيئاً إلى أعضاء في البرلمان ونخب ثقافية نظمت لهم زيارات إلى إيران وعادوا وهم يحملون إعجاباً كبيراً لنظام الملالي وضرورة إقامة حلف مصري تركي إيراني، ودعوات لسحب العمالة المصرية من السعودية واستبدالها بأسواق إيران والعراق، وكان قبل ذلك ما تعرض له بعض المستثمرين السعوديين من مراجعات وسحب لأراض وخلافها، وتمر الأيام ويمتنع الغرب والبنك الدولي عن تقديم قروض لمصر، بل أن أمريكا ما زالت تهدد بين الفينة والأخرى بقطع المعونة وتدخلت بقوة، والثورة في أوج قوتها وحطت طائرتها بميناء القاهرة الجوي وخصلت رعاياها المسجونين على ذمة قضية مخابراتية تهدد أمن مصر القومي، وفق ما أعلن عنه ولم يحرك أحداً ساكناً، وفي خضم تلك الأحداث تقدم حكومة خادم الحرمين الشريفين دعماً سخياً يلامس الخمسة مليارات دولار لدعم الاقتصاد المصري الشقيق، فهل هذا تصرف دولة تدعم ثورة مضادة؟ ثم وبشكل دراماتيكي تتطور الأحداث في قضية أحمد الجيزاوي الذي ضبط متلبساً وبحوزته واحد وعشرون ألف حبة مخدرة، وتُحوَّر القضية بشكل مثير لقضية رأي عام، وتبدأ المظاهرات حول السفارة السعودية بالقاهرة ويرفع العلم المصري عليها ويحاول الغوغائيون إسقاط العلم السعودي الذي يحمل كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، وتكتب العبارات المسيئة للمملكة ولرمز الوطن خادم الحرمين الشريفين الذي قدم للأمة ما لا يمكن حصره وقدم للإسلام والمسلمين ما سيكون شاهدا له يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. لكي نشكك أن وراء الأكمة ما وراءها وأن هناك أيادٍ خفية تشعل فتيل الأزمة بين البلدين هو ما يذاع يومياً عبر الفضاء وعبر مواقع التواصل الاجتماعي وعلى الرغم من تصريح السفير المصري لدى المملكة السيد محمد عوف الذي قال إن الرجل ضبط بقضية مخدرات وأن القنصلية بجدة تأكدت من صحة الواقعة، وأطلعت على صور تثبت حيازته للمضبوطات مع إقراره بعائديتها له، واسترسل السفير في تصريحه أن هناك تهريبا كبيرا ومنظما لهذا النوع من المخدرات بواسطة مصريين إلى السعودية، وهناك سجناء في حقل وضباء وطلب السفير من سلطات ميناء القاهرة الجوي التدقيق في التفتيش وتحذير المسافرين وتوعيتهم حتى في مصر حيث إن هذا النوع من الحبوب التي تحمل اسم زاناكس ممنوع حتى في مصر. مع هذا التصريح لسعادة السفير المصري الذي ينهي فتيل القضية من أساسها وينهي كافة الإدعاءات والافتراءات بتلفيق السلطات السعودية إلا أن الإعلام المصري الخاص بكافة صوره وأشكاله وبعض الوجوه الإعلامية المعروفة يرفضون التصديق ولا يزالون يطالبون بإخلاء سبيل المتهم ويكذبون كل شيء ويدفعون الغوغائيين إلى تصرفات وتعليقات لا تقبل إطلاقاً، إمر غريب فعلاً ولا يبشر بخير، ما يتردد أننا بدو وأصحاب خيمة فهو أمر لا ننكره بل نحن نعتز بذلك ولكن ماذا فعل البدو في جزيرة العرب خلال ثمانين عاماً؟ المقياس الحقيقي لحضارة كل أمة ليس بتاريخها القديم إطلاقاً إنما بمثقفيها وممارساتهم وقوة تأثيرهم، بدو جزيرة العرب التي أصبحت إحدى جامعاتهم المصنفة الأولى على مستوى الدول العربية، وأصبح لديهم جامعة متخصصة بالمعرفة والبحث العلمي تصنف عاشراً على مستوى العالم من حيث استقلال الإيرادات. إيران والمعجبون بنظام الملالي لهم مصلحة كبيرة في ضرب العلاقة بين البلدين، وتبحث إيران عن بديل لنظام بشار الأسد الذي يعيش آخر أيامه ويجب على العقلاء في مصر الشقيقة النظر في أهمية العلاقات بل لا توجد دولة في العالم تربطها بمصر علاقات مصيرية كالمملكة العربية السعودية التي يعيش داخلها قرابة المليوني مصري، ويعاملون بكل حب واحترام وتقدير، أساتذة في الجامعات وأطباء ومهندسون وعمال في مختلف المهن، وكثير من أصدقائي لديهم مصريون يعملون معهم منذ عشرين إلى ثلاثين عاماً، فلماذا التركيز في قضايا فردية وإبرازها عبر مقدمي برامج كانوا جميعاً يعملون في قنوات سعودية خاصة وقدمت لهم كافة التسهيلات وأدوات النجومية!! أهو جزاء سنمار؟ أخيراً هناك جبل جليد لن يذوب بالنوايا الطيبة فحسب، ولكن نحتاج إلى العقلاء والحكماء ليقولوا كلمتهم ويسود القانون في دولة ثارت من أجل سيادة القانون.