نعتني بملابسنا ومظهرها ونظافتها، وسرعان ما ينظف الإنسان ما يقع عليها من طعام ونحوه، كما نحرص على التطيب بأفضل أنواع الطيب، وهذا أمر محمود ومطلوب، وهو من الجمال الذي يحبه الله عز وجل، قال عليه الصلاة والسلام: "لا يَدْخُل الجَنَّةَ مَنْ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، فقال رجلٌ: إن الرجلَ يُحبّ أن يكون ثوبُه حسناً ونعلُه حسنةً، فقال: إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ". لكني هنا سأتحدث عن نوع من الملابس لا يلبسها البعض بالرغم من الحاجة الماسة إليها، ألا وهي: (ملابس الكلام)، وهو معنى لطيف ذكره الإمام الشافعي – رحمه الله – لأحد طلابه، قال السخاوي: روينا عن المزني قال: سمعني الشافعي يوماً وأنا أقول: فلان كذاب، فقال لي: يا أبا إبراهيم اكْسُ ألفاظَك أحسنها، لا تقل: كذاب، ولكن قل: حديثه ليس بشيء. كم نحن بحاجة لكساء وغطاء وملابس لكلماتنا، قال لي أحدهم: قطع أصبعي ففزعت، ثم تبين لي أنه جرح جرحًا يسيرًا، ويمكن لكل واحد منا أن يضرب عشرات الأمثلة على مثل هذا النوع. وربما استخدم البعض كلمات جارحة عند غضبه، بينما يكون أشد الغضب عند البعض الآخر هو الدعاء بالهداية والصلاح، روى الإمام مالك: أن عيسى بن مريم عليه السلام - مرّ بخنزير على الطريق، فقال له: انفذ بسلام، فقيل له: أتقول هذا لخنزير؟ فقال: إني أخاف أن أعود لساني كلام السوء"، رواه الطبراني بسند جيد. أمر آخر لا بد من الإشارة إليه، وهي جزء من رونق وجمال وبهاء اللباس الخاص بالكلمات، ألا وهو بسط الوجه، ونبرة الصوت، ألا ترى معي أن "السلام عليكم" مع حدة في الصوت، وعبوس في الوجه، تبدو وكأنها "الحرب عليكم"، وقد أمرنا رسولنا عليه الصلاة والسلام ببسط الوجه فقال: إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه، وحسن الخلق"، صحيح الترغيب. إن هذه الملابس بحاجة للانتقاء وحسن الاختيار لنصل إلى ما أمرنا الله سبحانه به: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا)، سورة الإسراء، آية: 53، ولذا قال النووي – رحمه الله: وينبغي لمن أراد النطق بكلمة أو كلام، أن يتدبره في نفسه قبل نطقه، فإن ظهرت مصلحته تكلم، وإلا أمسك. وخلاصة القول إن الكلمة الطيبة تكون قد لبست أجمل وأبهى الثياب، قال عليه الصلاة والسلام: "اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجد فبكلمة طيبة"، أخرجه البخاري، وفي حديث آخر عند مسلم: "والكلمة الطيبة صدقة". ولنحذر من تلك الكلمات التي تخرج "عارية"، وربما خرجت "هياكل عظمية"، ولنحرص على ملابس كلماتنا كحرصنا على ملابس أجسادنا. * جامعة الأمير سلطان