أظن أننا في منطقة جزيرة العرب والخليج العربي أسرع الأمم المعاصرة في الانتقال في استعمال أدوات المعيشة اليومية القديمة والبدائية إلى عالم من المستجدات والمخترعات. ولو تحدثنا عن منزل الأسرة السعودية وجدنا التغيرات الحضرية بدأت في أوائل الخمسينات من القرن الميلادي الماضي. ويجزم البعض أن المنزل السعودي أخذ بأطراف المتغيرات غير المألوفة والجديدة في أوائل تلك الفترة عندما بدأت الحكومة تصرف مكافآت للطلاب، وتُبادر إلى صرف رواتب موظفيها بوقتها. اتسعت، عندئذ - مساحة الإنفاق ورأى الناس معروضات في أسواق الحيّ كل مستجد وعصري استورده تجار، وورّده تجار من بقاع بعيدة غير الشام التي كان يستورد منها المحمسة والنجر (الهاون) ذو الصوت الرخيم وكل ما يُرحّب بالضيف من فناجين وأباريق وفُرش. أي أسرة لديها ابن في المرحلة المتوسطة تقبض 150 ريالا، وكان المبلغ آنذاك يكفي ويزيد. واشترى بعض الأبناء دراجات هوائية (سيكل). ومن له أب أو أخ يعمل في الظهران تغلب على مشاكل السلف والقروض. وذكروا أن بعض دكاكين المؤن الغذائية تمنح الأسر مهلة الدفع حتى آخر الشهر، أو يعود الغائب. ثم إننا رأينا - بعد ذلك - انتقالات مفاجئة. من وقود الحطب إلى الدافور. وسمعنا شعرا شعبيا يقول: قل له ترانا تمدنّا * كلن يولّع بدافوره وشاهدنا طول الفترة بين انتشار الدافور وانتشار البوتاغاز. وقصر الفترة بين انتشار البوتاغاز وتبنّي الفرن الكهربائي، والأقصر هو الفترة التي مرت بين حضور الفرن الكهربائي وفرن المايكروويف. وينطبق القول على"بطء" الانتقال من تلفون أبوهندل إلى الأوتوماتيكي الذي يُدار بالقرص. ثم "سرعة" حضور الهاتف الذي يعمل بالأصبع، والآخر الذي يعمل باللمس. على أنني من الذين يرون أن سرعة الانتقال الحضاري تلك لم تصاحبها الانتقال الثقافي المطلوب لمواكبة ما يحدث. وتذكر رواية شفهية أن ساكن منزل شعبي في أحد أحياء الرياض العاصمة لم تصله الكهرباء في أولياتها لأسباب فنية أو مالية أو غيرهما. وسمح له جاره أن يمد سلكا كهربائيا إلى منزله فقط أثناء بث التلفزيون في أول الليل، حيث كانت فترات البث محددة بساعات. والاثنان كانا على قناعة من أن إضاءة المنزل تأتي ثانيا. لأن المهم أن لا يحرم الجار وأولاده ساعات البث. قيل أن التقدم الحضاري السليم لابد أن يكون له جناحان: جناح ثقافي، وجناح مادي، فالحضارة التي تهمل الثقافة الواعية، وتمضي في التقدم المادي إلى أعلى ما يمكن أن يتوصل إليه، هي حضارة لا قيمة لها، لن تلبث أن تطير حتى تهوي