في عز الخلاف بين المرحومين الملك فيصل والرئيس عبدالناصر، وبعد هزيمة 1967م احتشد الصحفيون من كل الجنسيات لحضور قمة الخرطوم، وكيف ستكون المعركة بين الزعيمين، إلاّ أن الملك فيصل وقف ليقول: «الهزيمة لا تخص مصر، بل السعودية وكل العرب، والوقت ليس للمشاحنات والخلافات، بل بدعم المجهود الحربي للجيش المصري، وتبرع بما يصل إلى مئتي مليون دولار». الموقف اتصف بشجاعة الرجال، وفي 1973م هو من حظر النفط على أمريكا وأوروبا بمعنى أن شراكة البلدين استراتيجية لا تغيرها مفاهيم عدة أشخاص خرجوا بمظاهرات أو تهييج إعلامي لا يدرك القيم التي تربط البلدين.. قضية الجيزاوي ضخمت وتعدت مسألة التفاهم والحوار وحتى قبل صدور حكم القضاء مما يعني أن الأمر أعطي أكثر من واقعه، ثم إن الرجل حتى لو سجل مواقف ضد المملكة والملك عبدالله تحديداً، فهو لم يصل إلى جرم من أرسلهم القذافي لقتل الملك عبدالله، وبشهامة الرجل الكبير عفا عنهم وأرسلهم لبلادهم مكرمين، ولا نعتقد أن سجون مصر تخلو من أصحاب قضايا مخدرات وغيرها، لم تفرض علينا دفع الشارع أو توظيف الإعلام ليسقطا واجبات الاخوة والعلاقات المتينة.. نعرف أن مصر تمر بظروف معقدة، وأن الاحتقان يأتي كأحد أسباب هذه المرحلة، غير أن السفارات ورعايتها تكفلها المعاهدات والقوانين الدولية، ولا نعتقد أن شخصا من مليوني مواطن مصري يعيشون بيننا إخوة مكرمين ويساهمون بمختلف النشاطات يؤثر على هذه البلاد ثم إننا لسنا ضد من ينتقد دون إساءة، لأن هذا حق طبيعي، لكن أن نصل إلى مرحلة تقاطع الطرق، ليس مقبولاً ومضراً لكلا البلدين.. قيادتا البلدين تدركان معالجة الموقف بحيث لا يكون له تبعات لاحقة، والتفاهم وسيلة لحل جميع التعقيدات، وحتى ما جرى لا يعمم على كل الشعب المصري، لأن مجموعة غوغائية ظهرت أو تصرفت بلا مسؤولية هي شريحة صغيرة دفعها قلة من الإعلاميين أو جهات خارجية لتصوير الموقف وكأنه إهانة بلد وشعب، ومع أن وجهات النظر في الأمور السياسية تحدث خلافات على المستويات الرسمية، فهي تعالج وفق المصالح المشتركة، ولا تصل إلى التأثير على مسار العلاقات المهمة لكلا البلدين، أو تدخل إشكالا عاما يستغله من يريدون الإساءة لكلا البلدين.. لا نعتقد أن الأزمة ستخلق غلق الأبواب بين البلدين، بل هي حادثة ستمر كما مر غيرها، لأن في البلدين من يعلم أن إعادة الأمور إلى مجراها الطبيعي عملية ليست معقدة، والأهداف العليا لا تزيلها حوادث صغيرة، وهذا الوعي مترسخ بين القيادتين وكل المسؤولين الذين يعرفون حاجة البلدين لبعضهما.. السعودية ومصر هما مصدر قوة الوطن العربي، ومحورهما لا يزال قائماً، وبالتالي هناك ما هو أهم من خلاف عابر أمام مسؤولياتهما سواء بينهما أو ما يدور في الوطن العربي، والإقليمي وحتى العالمي، فكل بلد يلعب دوره بمشاركة الآخر وخاصة في مرحلة دقيقة وحساسة تمر بها منطقتنا والتي تحتاج لأي جهد تقومان به على كل الأصعدة..